الإثنين ١٠ مايو ٢٠٢١
صحيفة الديموقراطي
بعد اللغط الكبير الذي أحدثته المهزلة الدرامية التي أنجزها (طعناً في حقوق المرأة السودانية ) المدعو عبد السلام فضيل ، الممثِّل النمطي الذي لم يستطع عبر سنوات إستفاد منها من الدعم المادي واللوجستي من نظام الإنقاذ البائد بإعتباره بوقاً للتسويق لشعاراته المهرجانية أن يجد لنفسه منهجاً إبداعياً مُستقلاً ينتشلهُ من مستنقع الإسفاف وغياب الرؤية التي تستهدف إستنارة المجتمع ، كان لا بد من وقفة متأمِّلة ليس في لُب الموضوع المُتعلِّق بإتفاقية سيداو ، لأنها لا تحتاج إلى كثير لغط ولا نقاش حول عدم مخالفتها للشرائع والعقائد والعادات ، ذلك لأنها ببساطة وفي مسودة صفحاتها الأولى تُعلن أن لكل الموقِّعين عليها الحق في التحفظ على أييٍ من بنودها ، وفي ذلك ما يُشير (بصراحةٍ) صارخة إلى (عدم إمكانية تعارضها) مع كل ما يخطر وما لايخطر على بال أحد في باب الشرائع والعقائد والعادات والأعراف ، ولكن دعونا نتحدَّث عن من يستنكرون الهجمة الشرسة التي تعرَّض لها مدعي الإبداع عبد السلام فضيل من باب أن المناخ الديموقراطي يوفِّر للجميع بدون فرز إمكانية التعبير عن رأيه بشتى السُبل والطرق من باب أن حرية التعبير (مُطلقة) وبلا قيود ولا كوابح.
طبعاً لن يتناطح عنزان في كون حرية التعبير واحدة من أساسيات المبدأ الديموقراطي ، بل واحدة من أهم شروط العمل به ، لكن ذلك لا يعني أن حرية التعبير مفتوحة بلا حدود ، إذا يحدُها في نهاية الأمر المساس بحريات وحقوق الآخرين ، فإن كان الوجه الشكلي للنقد الذي عالجت به الدراما المذكورة تلك الإتفاقية يقف عند حد رفضها كمبدأ قانوني ستلتزم الدولة السودانية بتطبيقه ، لما إسترسل المستهجنون في هجومهم وإستنكارهم ، وذلك لإعتبارات متعلِّقة بإتاحة المبدأ الديموقراطي للكافة إمكانية رفض ونقد التوجُّهات الحكومية بما في ذلك ما تصدرهُ من قوانين وما تصادق عليه من إتفاقيات ، لكن دعونا ننظر إلى (غياهب ومجاهل) ما تم من إنتقاد بواسطة تلك المهزلة الدرامية السمجة والمُتعلِقة بفكرة (الترويج) والدعوة إلى محاربة نضالات المرأة السودانية في معارك حصولها على حقوقها المشروعة ومحاولاتها المُستميتة للخروج من مستنقع الإستغلال والمهانة والتشويه النفسي والجسدي ، فضلاً عن منعها (حُرياتها) الأساسية في مستوطنة السيطرة الذكورية التي لم يُقرها الإسلام قُرآناً وسُنة ، أليس في مضمون ما أقدم عليه المذكور (مساسٌ) لا تُخطئه عين حصيف بحقوق النساء وحرياتهن ؟ ، هنا وعند هذا الحد يمكننا أن نُعلن (إنتفاء منطق حُرية التعبير) حال ما مسَّ هذا التعبير أياً كان إسلوبه وأدواته ضرراً نفسياً أو مادياً بطرفٍ آخر.
بنفس المنطق الذي يمكن من خلاله إستغلال حرية التعبير كمبدأ ديموقراطي ، لماذا لا نمنع الدولة والمجتمع عن محاربة الإفلام الإباحية والإعلان عن المُخدرات والممنوعات بكافة أشكالها ؟ ، من وجهة نظري الشخصية لا يختلف من يروِّج للدعارة والفسق والفساد ، عن مَنْ (يُروِّج) لحرمان المرأة السودانية التي أسهمت بروحها وفكرها وطاقاتها في بناء هذا الوطن منذ أمدٍ سحيق من حقوقها المشروعة في الدين والدنيا ، ومَنْ يُناهض محاولاتها الدائبة في النهوض من وهدتها ، ومَنْ يُساوِّم (بالخداع والإفتراء والتجهيل المُتعمَّد) لإبتزاز حقوقها التي توفِّرها إتفاقية سيداو (بعد التحفُّظ على بعض ما لا يناسبنا فيها).