بعد قيام ثورة ديسمبر المجيدة التي أطاحت بنظام المخلوع عمر البشير استبشر السودانيون خيراً؛ لأن ثورتهم التي مهرت بدماء الشهداء اقتلعت نظاماً كانت لديه كثير من المؤسسات والشركات والمنظمات الفاسدة والمشبوهة، التي مارست كل أنواع الغش والخداع والاحتيال والنصب بطرق مختلفة ومتعددة.
وبعد الثورة ظن كثيرون أن تلك المنظمات والمؤسسات والواجهات قد لا يكون لديها أي وجود علي أرض الواقع، خصوصاً بعد تشكيل الحكومة الانتقالية، التي وضع عليها الشعب السوداني آمالاً عريصةوكبيرة في القضاء علي الفساد، ومحاسبة كل الفاسدين والمنتفعين من ـموال الغلابة والمساكين، ولاسيما بعد تشكيل لجنة إزالة التمكين، التي بدأت عملها في كشف فساد النظام البائد، وتفكيك كل واجهاته ومنظماته ومؤسساته المشبوهة، ولكن يبدو أن تلك المنظمات عادت أو لا زالت موجودة، وهي تمارس عملها، لكن بأساليب وطرق مختلفة ومحكمة، إلى حد أنها تستطيع التأثير في الضحايا، والإيقاع بهم في فخها؛ ليبدأ فصل من فصول استغلال أموال بعض الغلابة والمرضى، ثم تبدأ بعد ذلك مأساة ومعاناة هؤلاء في شكل قصص وحكايات وروايات تدمي القلوب، ويندى لها الجبين، أبرزها قصة الشاب محمد وحيد والدته المريض، الذي توفي قبل ثلاثة أيام أمام اعين والدته التي عجزت عن إنقاذ ابنها الوحيد، وهناك كثير من ضحايا منظمة الرحمة، التي هي بعيدة كل البعد عن الرحمة، ولا تمت أعمالها بأي صلة للرحمة .
بداية القصة تعود تفاصيل بداية هذه القصة أن هناك فتاة في مقتبل العمر تدعى (فاطمة ) قامت بإنشاء منظمة تحمل اسم (منظمة الرحمة)، وكان هدفها المعلن مساعدة المرضى علي العلاج، وإجراء العمليات لهم، كعمل إنساني تجاه المواطنين، خصوصاً أنه بعد سقوط النظام البائد كانت ومازالت البلاد تعاني من أزمة اقتصادية طاحنة، إضافة إلى تردي الأوضاع الصحية؛ نتيجة الإهمال والتدمير الكامل والشامل لكل المؤسسات الصحية.
فتاة منظمة الرحمة بقدرتها الفائقة استطاعت أن تكسب ثقة عدد كبير من المواطنين، بعد ان بدأت المنظمة أنشطتها التي أصبحت تتوسع وتكبر يوماً بعد يوم تحت غطاء حكومي، وبمساعدة بعض كبار الضباط والنافذين بمؤسسات الدولة، بل ذهبت، أكثر من ذلك، عندما تم التنسيق بينها وبين القمسيون الطبي عن طريق أحد كبار النافذين هناك لإدارة أنشطتها العلاجية، وإجراء العمليات، وكان نجاح علاج بعض الحالات المرضية بداية إعطاء الحق المجتمعي والثقة للمنظمة، التي تمثلت في فرد واحد.
تبرعات الخليج واوربا فتاة المنظمة تمكنت من توسيع دائرة أنشطتها خارج الحدود باستقطاب وجمع تبرعات من السودانيين بالخارج، وتحديداً في الخليج وأوربا، وكل هذه التبرعات كانت تودع في حسابها الشخصي بلا رقيب أو حسيب، ومرّت الايام والسنوات، ولم يشك من العباد في ميول المنظمة، رغم بعض الأصوات والتحذيرات التي تطفو وتظهر بين الحين والآخر، إلا أنها سرعان ما تتلاشي نتيجة لدهاء مديرة المنظمة، تلك الشخصية الفريدة المتلونة والمتحولة، التي من المحال أن تعرف الصدق من الكذب في كلامها الناعم.
تعمقت و(تعملقت) فاطمة بلغة اهل الكرة بتكوينها لشبكة علاقات كبيرة وواسعة، ضمت أسماء ورموز العهد البائد الذين غادروا الحياة العامة اسماً، وبقوا فعلاً وتدميراً.
ومارست تلك المنظمة علاج المرضي والمحتاجين، واتخذته غطاءً لتجارة العملة، وتحويل أموال التبرعات لدولار بسعر البنك، ويحول بعدها لتجارة العملة لضرب اقتصاد البلاد.
اموال الدعم السريع فجأة تحورت وتحولت مديرة المنظمة لإدارة أموال الدعم السريع التي يخصصها لمساعدة المرضي والمحتاجين بطريقة لا نعلم مقصدها، أهي في اتجاه وادعاء للقوة والجبروت، ام هي سياسة كيزانية مرتبة لتوريط قوات الدعم السريع، وسرعان ما بدأت التغييرات تلك تظهر في أنشطة المنظمة التي اصطادت كثيراً من المرضى والموجوعين باخذ أوراقهم، وتاجرت بهم، مستغلة علاقتها بالقمسيون الطبي في كثير من التحويلات الخارجية للمرضي لدول معينة.
رحلات الهند استطاعت فتاة منظمة الرحمة أن ترسل كثيراً من المرضي إلى رحلات علاجية بالخارج بمساعدة بعض الفاسدين بالقمسيون الطبي الممتلىء بالشرفاء، وجمعت أموال المرضي من ديوان الزكاة والمتبرعين، وقامت بتحويلها إلى دولار بسعر البنك، في الوقت الذي يذهب فيه الدولار لتجارة العملة، والحالات المرضية يتم إرسالهاإلى دولة الهند بتنسيق وترتيب مع بعض موظفي السفارة السودانية هناك.
في الغالب يتم إرسال الحالات بعد تأخير وطول انتظار، وهناك لا يجد المريض المال الكافي، أو الخدمة العلاجية السريعة، وبشكل أمثل، خاصة أن المنظمة تقوم باستكمال إجراءات سفر المرضى، وتخبرهم بأنها ستقوم بتحويل أموالهم إلى هناك لتلقي العلاج وإجراء العمليات، وهذا ما لم يحدث في كثير من الحالات، وتبدأ عملية المناشدات الإنسانية لإنقاذ الحالات المرضية هناك، واحياناً تنجح تلك المناشدات وأحياناً أخرى تفشل.
السقوط المدوي تسارعت الأيام، وبدأت المنظمة في السقوط، خاصة بعد افتضاح أمرها، والتسريبات البطيئة من داخلها لتكشف فسادها، وألاعيبها، فقررت مديرة المنظمة فصل عدد من أعضائها حسب الجغرافيا، حتي تتفنن في كل جروب، ولا تجد من يكون لها بالمرصاد، ومن هنا بدأت فصول إعادة العالقين بالهند في فضيحة يشيب لها الولدان، وهناك من عاد بعد مناشدات ‘نسانية وبعضهم الآخر عاد بعد طول انتظار وتأخير لأيام وشهور، في الوقت الذي كانت فيه مديرة المنظمة قد استغلت أموال المرضى والاحتيال عليهم وسلبهم بحجة ووهم منحة الدعم السريع، علماً بأن كثيراً من المرضي كانوا يكدحون مع أسرهم لجمع أموال العملية أو العلاج بالخارج بعد أن أوهمتهم برحلات الهند العلاجية.
موت الشاب محمد كثيرون هم ضحايا منظمة الرحمة، وكثيرون هم الذين سلموا أموالهم طوعاً او قهراً، وكثيرون هم الذين تم خداعهم بدولارات الدعم السريع، وكثيرون هم صغار وكبار طحنتهم الحياة، وداست عليهم (الرحمة ) التي اتخذتها الفتاة (فاطمة) اسما لمنظمتها.
هناككثير من المواطنين وقعوا ضحايا تلك المنظمة، منهم مازال في انتظار استرداد أمواله ومنهم من مات، أبرزهم الشاب محمد صلاح الذي توفي قبل ثلاثة ايام وهو وحيد والدته، وقد جمعت أموالاً وسلمتها للمنظمة لعلاج ابنها الوحيد الذي كان في اللحظات الأخيرة يصارع الموت، وجهاز الاوكسجين يضخ الهواء في رئتيه أملاً ورجاءً ان يرسل الله تعالي له معجزة تنقذ حياته، إلا أن والدته عجزت وانتظرت تلك المعجزة الإلهية إلا أن الموت كان أسرع؛ ليفارق الحياة، التي اظلمت أمام اعين والدته المسكينة الصابرة … والامثلة والنماذج كثيرة كالطفلة حليمة الشهيدة، وعم نبيل وشذي وسمية أحمد وأحمد محمد صالح التوم، وضحايا اخرون كثر.
شكاوى وبلاغات بعد أن انكشف أمر فتاة منظمة الرحمة وفسادها الذي أصبح يزكم الأنوف، قرر كثير من المواطنين فتح بلاغات ضدها لاستعادة أموالهم، ومحاسبة تلك المنظمة وفقاً للقانون، الذي يجرم مثل هذه الأفعال والأساليب التي تعددت وتنوعت بأشكال غريبة، وتسببت أنشطة المنظمة في كثير من حالات الوفاة وزيادة معاناة المرضى والمحتاجين، خاصة أنها استولت علي أموالهم من ديوان الزكاة، إضافة الي اموال الدعم السريع …الخ
بعض المواطنين قاموا بتحرير بلاغات ضد المنظمة أبرزها البلاغ بالرقم 5877 والمتحري فيه موسي، والبلاغ بالرقم 5774 والمتحري فيه الملازم محمد حامد، إضافة إلى كثير من البلاغات والشكاوى التي قدموها خلال الفترة الماضية.
ونتيجة للبلاغات الموجهة ضد منظمة الرحمة جرت محاكمة مديرتها، وقد أصدرت المحكمة حكماً قضائياً بسجن فاطمة فتاة المنظمة ستة أشهر فقط، وهي الان تقبع داخل السجن، وترسل تهديدات واستفزازت لبعض عملاء المنظمة أو ضحاياها بشكل يؤكد فعلاً انها تعمل تحت غطاء وبمساعدة نافذين حكوميين.
تهديد ووعيد أكثر مايدعو الي الشفقة تجاه المواطنين او ضحايا منظمة الرحمة الذين بدلاً من محاسبة ومعاقبة كل من أستولي علي اموالهم واسترداد حقوقهم كاملة لهم وفق القانون الا انهم ظلوا يواجهون تهديداً ووعيداً من قبل ضباط كبار ومسئولين وممارسة الضغط عليهم بهدف التنازل عن حقوقهم وشطب كل البلاغات والشكاوي التي قدموها ضد تلك المنظمة الفاسدة وابرزهم الضحية سمية احمد والتي اكدت انها واجهت تهديدا ووعيدا من احد الضباط والذي اتهمها باسلوب مشين وتوجيه اساءات لمديرة المنظمة (فاطمة) وقال لها بالحرف الواحد : ( بلاغ النبذ ده ممكن يسجنك عشرة سنوات ويدفعك تعويض 8 مليار) والهدف من هذا التهديد والوعيد ماهو الا نوع من انواع الضغط والقهر الذي يمارس ضد الضحايا ويوضح ذلك بجلاء ان منظومة الفساد المتكاملة مازالت موجودة وتعمل بكل سهولة ويسر في بلد مازال هناك فيه الشرفاء من القضاة والضباط ولجنة لازالة التمكين ومحاربة الفساد والمفسدين والتي تم تشكيلها مؤخراً وفق الدستور والتي ينتظرها العديد من المرضي والمحتاجين والغلابة والمساكين في انصافهم واسترداد اموالهم وحقوقهم كاملة من براثن شبكات العصابات الفاسدة والا مازالت الثورة مستمرة …!!؟؟