الثلاثاء ١١ مايو ٢٠٢١
صحيفة الديموقراطي
من حق بعضهم أن يحزن على ما مس المنظومة العدلية السودانية العريقة في مهنيتها عبرإعادة الهيكلة والتطهير الذي قامت وما زالت تقوم به لجنة إزالة التمكين ، وذلك من باب أن المنظومة العدلية تحصل على قداستها ومكانتها المجتمعية والرسمية من إضطلاعها على (صناعة) العدالة وصون الحقوق ودعم سُبل أداء الواجبات ، والذين حزنوا على ذلك غير ملومين إذا إفترضنا (عدم إلمامهم) بما ألم بهذا القطاع من (جُرأة) في التحطيم والتسييس والإستغلال فيما هو (مُضاد) لأهدافهُ السامية ، إذ تبدَّلت فيه مفاهيم العدالة إلى (مظالم) ، و(تحوَّرت) فيه حماية المظلوم إلى نصرة للظالمين ، ولم تعُد الحقوق والواجبات في دوواين العدالة محل إحتفاء بقدر ما أصبحت (شذوذاً) يُقابل من يُطالب به بكل أنواع القمع والإذلال والترهيب.
إن أهم الميزات في سوءات النظام الإنقاذي البائد ، قدراته الإستثنائية في الجرأة على ما لم يجرأ عليه أحدٌ قبلهم في مجال التغوُّل على المؤسسات مهما بلغت قداستها الدستورية والمعنوية ، ومواهب قياداته (الفذة) في عدم الحياء والإستخفاف بالمباديء الأساسية المُتَّفق عليها إنسانياً في مجال إستقلال بعض المؤسسات الرسمية ، والتي لإعتباراتٍ كثيرة تفوق صلاحياتها عبر مقامها المعنوي في أغلب البلدان صلاحيات رأس الدولة ونافذيها ، ففي الكثير من الأنظمة الديكتاتورية الشمولية في بلدانٍ كثيرة من بينها السودان في عهودهِ الديكتاتورية بما فيها نكبة مايو على سبيل المثال ، لم يكُن يخطر على بال منظوماتها الإستبدادية على مستوى الهيكل والشخوص أن تكون المؤسسة العدلية واحدة من (أدوات) البطش والتنكيل ، الداعمة للسياسات الإستبدادية ومشروعات الفساد ومخطَّطات تصفية المُعارضين السياسيين ، ونفس ما سبق شرحهُ يسري على المؤسسة العسكرية الرسمية ، إذ لم نسمع على مدى التاريخ أن نظاماً إستبدادياً مهما بلغت (جُرأته) قام بإنشاء وتمويل جيوش موازية لجيشهِ الوطني ، تنافسه في إحكام السيطرة على الأمن الإستراتيجي وحماية العرض والأرض ومُقدَّرات الوطن.
كنا نتمَّنى أن تجد لجنة إزالة التمكين المؤسسة العدلية في بلادنا قد (أنجاها) رب العالمين من جرأة الإنقاذ بحق قداستها وإضطلاعها بمعالجة حقوق وواجبات العباد ، لكن ولللأسف كانت قد طالتها يد التمكين السياسي وأصبحت شأنها شأن الكثير من مؤسسات الدولة معقلاً لطغيان نافذي الإنقاذ عبر تمرير وتقنين تجاوزاتهم للدستور والقانون ، وعبر إستعمالها كأداة (إرهاب) ناقمة على المظلومين وفقاً لمعايير الإنتماءات السياسية التي عارضت نظامهم الفاشي على مدى سنوات جدباء عُزلت فيها المنظومة العدلية عن نُصرة الحق وإبطال الباطل ، وأُغلقت دونها أبواب المؤسسات و(قصور) النافذين المُترفين ، وما تقارير المراجع العام وإفاداته المُتكرِّرة عن إمتناع الكثير من المؤسسات والمنظمات والمشاريع الرسمية عن إبراز مستنداتها للمراجعة القانونية ، إلا دليلٌ صادق على ما وصل إليه أمر العدل والقانون في بلادنا إبان تلك الحقبة العصيبة من تاريخ بلادنا الحبيبة ، تمنَّينا أن نجد المؤسسة العدلية (مُحصَّنة) بقداسة دورها وواجباتها من (فايروس) الفساد والتمكين السياسي ولكن ما كل ما يتمنى يدركهُ.