تقول الحكاية التأريخية أن اهل قريش في عهدهم الجاهلي كانوا مستغرقين في روتين الحياة بلاجرأة ويستسلمون لماتعارفوا علي تسميته بالخباء وهو مكان ينتظرون فيه الموت جوعا تحت حصار الفقر والعوز، ولم تتمكن قريش من الخروج من دائرة روتين الفقر وانتظار الموت جوعا ،إلا بعد ان سمع بهم هشام بن عبد مناف وهو احد التجار الكبار فجمعهم وقال لهم أنتم قريش واهل البيت كيف تستسلمون للفقر وتذلون انفسكم والعرب بالخباء ، ثم اقترح علي اﻷغنياء تقاسم اموالهم مع الفقراء ثم ابتكر لهم رحلتين تجاريتين اﻷولي إلي اليمن والثانية إلي الشام ، فأزدهرت حياتهم برحلتي الشتاء والصيف
وعاشت مكة في رغد العيش وتسيدت قريش العرب. وقد أشارت سورة قريش إلي ذلك بل وضعت قاعدة ذهبية ﻹستقرار المجتمعات والدول وهي ( اﻹطعام من جوع واﻷمن من الخوف) ، وهي قاعدة لاتستطيع أي دولة تجاهلها او تجاوزها ﻷنها قاعدة السلام اﻹجتماعي ومنصة البناء والتنمية والتطور.
وكانما الحالة السودانية المعاصرة تشبه إلي حد بعيد حالة اهل قريش في جاهليتهم
فالشعب السوداني مستغرق في روتين غريب يعتمد علي تحويلات المغتربين إلي اسرهم مع إستمرار دائرة الطقوس اﻹجتماعية الي تسيطر عليها الوﻻئم واﻹسترخاء والجدل الممل.
المراقب للوضع الحالي في السودان يقرأ بوضوح تعويل الحكومة اﻹنتقالية ورهانها علي إصلاح الحال العام للبلاد إعتمادا علي المبادرات الخارجية ، واستخدام ذلك كمنصة أساسية للتخلص من كل المشاكل ومن ثم اﻹنطلاق نحو مستقبل جديد للسودان.
نلحظ ذلك في إسراع حمدوك في طلب اﻹستعانة ببعثة إدارية أممية ،ربما ﻹدراكه لصعوبة كسر طوق الروتين السياسي واﻹقتصادي وأستحالة فرض رؤيته ﻹحداث التغيير في ظل سيطرة جهات أخري علي مفاصل الدولة ، مما اظهر حمدوك وحكومته كواجهة لحكومة تتلقي اﻷوامر والتوجيهات من الخارج ، ولربما يصل اﻷمر إلي إتهامهم بالعمالة وانهم موظفين أممين مكلفين بتفيذ خطط محددة في السودان ، وستظل اﻹتهامات قائمة ومتداولة ،وهي قابلة للنفي أو التاكيد في المستقبل القريب ونعني به مرحلة مابعد مؤتمر باريس المخصص لدعم السودان وترتيب عودته للمجتمع الدولي.
فلنفترض جدلا نجاح مؤتمر باريس في انجاز مهمة اعفاء ديوان السودان وانطلاق مرحلة تدفق الدعم وتاسيس الشراكات اﻹقتصادية الكبري ، أي اكتمال تنفيذ فكرة اﻹصلاح من الخارج ،فهل بذلك يتمكن السودان من التخلص من أزماته المزمنة ومشاكله المعقدة ؟
ليس سهلا تحقيق النجاح الكامل في غياب إعادة تأهيل السودانيين انفسهم ، حكاما ومحكومين بإحداث هزة قوية تسقط كل الثقافات والمرجعيات السالبة ألتي تفسد القادة وتشجع الشعب علي إدمان الفساد.
فطلاء المنزل من الخارج وزخرفته لايمكن أن تساعده علي الصمود طويلا إذا لم نهتم بتأهيل اساس المنزل وتحسين أثاثه من الداخل، ولذا يظل الرهان علي اﻻصلاح من الخارج رهانا ناقصا يحتاج إلي إستصحاب إعادة تأهيلنا نحن اهل السودان .
فهل يستطيع حمدوك أن ينجز ما انجزه هشام بن عبد مناف لقريش في عهدها الجاهلي ليخرج أهل السودان من خباء إنتظار الموت جوعا إلي رحاب شراكات تساعد فقراء السودان علي اﻹنطلاق إلي مواقع اﻹنتاج والوفرة وقبل ذلك إستعادة أخلاقهم وإنضباطهم وأمانتهم في المعاملات والتخلص إلي اﻷبد من الروتين السياسي واﻹقتصادي واﻹجتماعي؟؟؟