يحق لنا أن نتفاءل بمؤتمر باريس لدعم الانتقال الديمقراطي في السودان على الرغم من الظروف غير المواتية، إذ يعاني العالم من آثار جائحة كورونا، وأصبحت كل دولة مشغولة بنفسها وبهموم مواطنيها، وعلى مستوى الوطن، نعاني من الانفلات الأمني، واستحكام الضائقة المعيشية.
تفاؤلنا مبعثه أن هذا المؤتمر يبرز ميلاد سودان جديد عقب ثورة شعبه العظيم، الذي لا يزال متمسكاً بضرورة وصول ثورته إلى نهاياتها السعيدة، التي تليق بحجم تضحياته.
يسعى السودان إلى أن يكون المؤتمر منصة لإعفاء ديونه البالغة 60 مليار دولار، وقد كان للنظام البائد دور في تكبيل البلد بهذه الديون، التي أنفقها لتوطيد أركانه، وبعثرتها في شراء الولاءات، وتمكين مناصريه.
وأبدت فرنسا اهتمامها بموضوع الديون، وأشار مسؤولون إلى استعدادها لتقديم قرض تجسير بمبلغ 1,5 مليار دولار لدفع استحقاقات متأخرة لصندوق النقد الدولي، كما أبدت دول أخرى رغبتها في إعفاء ديون السودان.
استعدت الحكومة لهذا المؤتمر بأهم عامل يهم المستثمرين وهو التشريع، إذ أجاز المجلس التشريعي المؤقت تعديلات جوهرية على قانون الاستثمار بهدف تذليل الإجراءات، وتحفيز المستثمرين على الدخول في شراكات مع الجانب الوطني، أو تبني مشروعات منفصلة تسهم في دعم الدخل القومي.
وحرص القانون الجديد على تفعيل نظام “النافذة الواحدة” الذي يسهم في تجاوز الإجراءات الروتينية، وتوفير الوقت والجهد والمال، إلى جانب معالجة المشكلة المؤرقة المتمثلة في النزاعات الخاصة بالأراضي، التي أدت إلى مواجهات بين المستثمرين والأهالي، بسبب تصرف الحكومة برعونة في منح الأراضي والامتيازات للأجانب، من دون مراعاة لحقوق المواطنين ملاك الأراضي.
ومع هذا هناك من يرى أن هذا الأمر يحتاج إلى حوار مجتمعي واسع يضمن الحقوق والواجبات، إلى جانب إسهام أهل الاختصاص.
إن هذا المؤتمر فرصة لتقديم السودان بصورة جديدة تبرز ملامح التحول الذي يعيشه، ومن أهمها انعتاقه من الأحادية المقيتة، واتجاهه نحو التعددية، والديمقراطية، وانفتاحه على العالم بعد سنوات من الانغلاق والحصار، وسعيه إلى تحقيق السلام الشامل، بناءً على اتفاقية السلام التي شهد عليها العالم، وحرصه على ضمان حقوق الإنسان، وسيادة القانون، وإقامة دولة عصرية كاملة الدسم.
والجميل أن الحكومة أعدت للمؤتمر إعداداً جيداً، ووضعت نصب عينها أن يكون الهدف إعفاء الديون واستقطاب الاستثمار لا المساعدات والإعانات، وهذا يليق بالسودان الجديد الذي قدم أهله أعز التضحيات من أجل حياة كريمة.
وزير الاستثمار د. الهادي محمد إبراهيم أن الحكومة أعدت قائمة بعدد 18 مشروعاَ بمجالات الطاقة والصناعة والزراعة والبنى التحتية والموانئ والتحول الرقمي، إلى جانب تحديد 26 موقعاَ للتعدين سيتم طرحها خلال المؤتمر.
ويعقب هذا المؤتمر مؤتمر خاص بالشركاء الدوليين والمانحين لدعم الاقتصادات الأفريقية في مواجهة مرحلة ما بعد فيروس كورونا بمحاولة لجذب مزيد من الاستثمارات لقارة تراجع نموها لأول مرة منذ عقود، ويبدو أن فرنسا والدول الأوربية تتوجس من هيمنة قوى اقتصادية منافسة على السوق الأفريقي، على رأسها الصين وروسيا وتركيا.
ويتوافق هذا المؤتمر مع المؤتمر الخاص بالسودان في اهتمامه بمسألة الديون، ودعم الاستثمار، ولكن تمييز السودان بمؤتمر يلقي على عاتقنا مسؤولية كبيرة، ويدعونا إلى ضرورة فهم أهمية هذا البلد في نظر العالم.
إن تفاؤلنا لا يمكن أن نقول إنه بلا حدود، لأن التحديات – المتمثلة في عجز واضح عن تحقيق الأمن والاستقرار للمواطنين، وتكرر إزهاق أرواح الأبرياء من شبابنا صناع الثورة والتحول من دون رادع- تهز ثقة الآخرين في قدرتنا على تحقيق الانتقال السلس والأمن إلى رحاب الديمقراطية، وهذا يتطلب عملاً كبيراً على المستويين الرسمي والمجتمعي من أجل تجاوز خلافاتنا، وتشكيل رؤية وطنية موحدة، ومن دون ذلك لن تنفعنا أموال الدنيا وكنوزها.