قصت الأستاذة فاطمة أحمد إبراهيم في كثير من المناسبات قصة الاتحاد النسائي، ومما قالته الاتحاد تكون في 31 يناير 1952م، وكان أول تنظيم نسائي بعد رابطة المرأة المثقفة التي تكونت في عام 1947م، وتوقف نشاطها تماماً بعد عامين فقط.
وتضيف: “وفي ذلك الحين، كانت بلدنا لا تزال ترزح تحت حكم الاستعمار البريطاني. وكانت جماهير النساء أكثر أمية واضطهاداً. وكان اضطهادهن مجسماً حتى في تصميم المنزل، حيث يخصص القسم الأكبر والأجمل للرجال. وبالرغم من أن المرأة هي التي تقوم مثلاً بإعداد الطعام، إلا أن المطايب تقدم للرجال أولاً، ثم تأكل النساء ما تبقى”.
وأوضحت أنه في بداية تكوين الاتحاد، بدأن بالنشاط الإصلاحي والخيري، إذ قمن بتكوين مدارس لمحو الأمية بين النساء، وتقديم دروس عن الاسعافات الأولية، وأنشأن مدرستين متوسطتين للبنات، وكذلك قمن ببعض الأعمال الخيرية بجمع النقود والمواد الغذائية وتوزيعها على الفقراء.
ولكن سرعان ما أدركن أن النشاط الإصلاحي والخيري لن يحل مشكلات المحتاجين، وإن إمكانياتهن المحدودة لن تحل مشكلات التعليم، ولن تمحو أمية النساء. وأن توزيع الطعام والنقود والملابس، لن يحل مشكلة الفقر والاحتياج. والاتحاد النسائي بالطبع يعلم أن حل مشكلات الجماهير يقع على عاتق الحكومة، وعليه قررن القيام بحملة مطلبية سلمية لدفع الحكومة للعمل على حل تلك المشكلات على مستوى القطر، مع الاستمرار في العمل الإصلاحي والخيري، وفي الوقت نفس أدرك الاتحاد أن مساواة المرأة بالرجل، والقضاء على اضطهادها، لن يتم إلا بمطالبة الحكومة بتغيير سياستها وتشريعاتها، التي أدت إلى عدم مساواة المرأة بالرجل في الحقوق، ومن هنا برزت أهمية استخدام الإعلام في التغيير.
وكانت فاطمة قد التحقت بالحزب الشيوعي في عام 1954م، وبعد فترة دخلت اللجنة المركزية، واعترض والدها وثار، إلا أنه بعد قراءة أفكار الحزب رأى أنها لا تخالف الإسلام.
وقدمت فاطمة اقتراحاً إلى الحزب بإصدار مجلة باسم الاتحاد النسائي، إلا أن اقتراحها رفض بأغلبية، بحجة أن هذا سيعرض الاتحاد للنقد والهجوم ، فقررت إصدارها بالتعاون مع اللائي أيدن الاقتراح، وتقدمت بطلب للحصول على الرخصة من الجهات المختصة، فرفض طلبها على أساس ان التقاليد لا تسمح للنساء بدخول مجال الصحافة، فذهبت إلى رئيس الوزراء آنذاك ، السيد إسماعيل الازهري بمنزله، وكان زميلاً لوالدها في كلية غردون، وطلبت منه ان يتدخل، فوافق ولكنه اشترط أن تكون بعيداً من السياسة، وصدر العدد الأول من مجلة “صوت المرأة” في يوليو سنة 1955م، ثم قابلتهن مشكلة الاشراف عليها في المطبعة؛ لان التقاليد آنذاك لا تسمح لهن بذلك، فتولى نيابة عنهن تلك المهمة الأستاذ محجوب محمد صالح في الشهور الأولى.
وكان للمجلة دور رائد في مقاومة حكم عبود العسكري، وكانت أول صحيفة سودانية توظف الكاريكاتير لهذا الغرض، وفي عام 1954 طالب الاتحاد النسائي بالحقوق السياسية للمرأة: حق التصويت، وحق الترشيح، فتعرضت عضواته للهجوم من الإسلاميين، بحجة ان الاسلام لا يسمح بمساواة المرأة وانخراطها في السياسة، ونظمت حملة واسعة ضد الاتحاد النسائي وضدها شخصياً من أئمة المساجد؛ لأن والدها كان إماماً، وقد تعرض كذلك للهجوم، وهذا ما دفعها للرجوع إلى القرآن الكريم لإثبات أن الاسلام ليس ضد مساواة المرأة ، ولا ضد اشتغالها بالسياسة، وكانت تلك الوسيلة الوحيدة لإقناع الجماهير المسلمة، التي تتلقى معرفتها لأحكام الاسلام منهم .
تولت رئاسة للاتحاد النسائي في الدورة (1956-1957م)، وكانت حريصة –حسب روايتها- حرصاً شديداً على المحافظة على استقلال الاتحاد من أي نفوذ حزبي أو سلطوي؛ لأن هذه هي اول خطوة لتحويل المنظمة الديمقراطية إلى منظمة جماهيرية واسعة القاعدة، ولهذا ولنشاطه أصبح الاتحاد النسائي أكبر تنظيم نسائي في السودان.
نتيجة للدور الذي أدته مجلة “صوت المرأة”، والاتحاد النسائي في مقاومة حكم عبود العسكري، اشتركت النساء في ثورة اكتوبر، واستشهدت ربة البيت بخيتة الحفيان، وجرحت محاسن عبد العال، وآمنة عبد الغفار عضوات الاتحاد النسائي، وبعد انتصار الثورة، قبلت عضوية الاتحاد النسائي في جبهة الهيئات، ونالت المرأة حق التصويت والترشيح، بل رشحت الجبهة الإسلامية إحدى عضواتها، على الرغم من أنها هاجمتهن عندما طالبن بالحقوق السياسية للمرأة، بحجة انها ضد الإسلام، ولم تفز هذا المرشحة، وأصبحت فاطمة أحمد إبراهيم أول نائبة برلمانية في السودان والشرق الأوسط وإفريقيا في عام 1965م. وكان ترتيبها الثالثة في قائمة كل المرشحين، والأولى في قائمة مرشحي الحزب، وفي عام 1968م أجاز البرلمان السوداني كل الحقوق التي طالبت بها، ومنها:
– حق الدخول في كل مجالات العمل، إلا التي حرمتها الأمم المتحدة، وهي: القضاء والقضاء الشرعي، والسلك الدبلوماسي، وكل ميادين العمل دخلتها المرأة السودانية في حين كان عملها من قبل محصوراً في التعليم والتمريض فقط، وفي هذا لم تسبقها أي امراة في العالم العربي أو الإفريقي .
– الأجر المتساوي للعمل المتساوي.
– عطلة الولادة مدفوعة الأجر (اربعة اسابيع قبل الوضع، وثمانية اسابيع بعده، مع ساعات للرضاعة، حسب ما نصت عليه منظمة العمل الدولية.
– الغاء قانون المشاهرة، الذي يفرض على المرأة العاملة تقديم استقالتها بعد الزواج؛ لتعمل بموجب عقد عمل مؤقت شهرا بشهر.
– إدخال خريجات الثانوي والمعاهد العليا تحت بند الخدمة المستديمة إسوة بزملائهن.
– الحقوق المتعلقة بالأحوال الشخصية.