(جريدة التيار 17/5/2021)
= لو كان لقادة جيشنا الذين ولجوا المجال السياسي وجلسوا في كراسي الحكم أي قدر من الحس الإنساني والسياسي لأصدروا صبيحة التاسع والعشرين من رمضان بيانا يترحمون فيه على شهداء المجزرة الأولى (29 رمضان الموافق 3 يونيو 2019)، ولم يكتفوا فقط بالترحيب بأسر الشهداء في إفطارهم الذي كان مقررا له وتم بالفعل يوم 29 رمضان الموافق 11 مايو الجاري، في المكان حيث قتل عيالهم مع سبق الإصرار والترصد، بل لقدموا لهم بعض الماء وربما الأبسطة بحضور مندوبين عنهم
= عوضا عن ذلك اتخذوا قرارا مؤداه لا أهلا ولا سهلا لأسر شهداء المجزرة، بأن أغلقوا العديد من الشوارع في محيط القيادة العامة، في تغول صريح على صلاحيات والي الخرطوم لأنه لا سلطة للجيش على تلك الشوارع ليغلقها ويفتحها كلما “هفّت له”
= ولماذا كان الجنود في محيط المنطقة التي تم فيها الإفطار “الحزايني” مدججين بالسلاح الناري؟ لقد رابط عشرات الآلاف ل59 يوم متصلة في تلك الساحة وخالطهم مئات الجنود ولم تبدر عن أي منهم بادرة عدائية تجاه أي كائن حي او جماد، فلماذا كان السلاح حاضرا بينما كان معلوما ان معظم أفراد الجمهور العازم على الإفطار في سوح القيادة العامة أمهات وأخوات مكلومات بفقد أعزاء في ذلك المكان؟ ومنذ متى يتسلح جنود الجيش بالعصي في مواجهة عدو او صديق؟
= من تعرضوا للنيران في 29 رمضان الماضي تعرضوا قبلها للرشق بالقنابل المسيلة للدموع من قبل نفس الزول، فهل حصل عليها نفس الزول من السوق الموازي ام كانت سلفة من الشرطة أم ان للجيش مخزون استراتيجي من تلك القنابل؟
= الرصاصات التي صرعت الشهيدين عثمان بدر الدين ومدثر مختار ارتدت الى نحور من أطلقوها، ليس لأنهم تعرضوا للاعتقال ويواجهون تُهم القتل العمد، ولكن لأنهم حسبوا ان الحماس الجماهيري للثورة قد خبا، وأن جولة أخرى من تقتيل ثوار ديسمبر ستكسر شوكة من بقي منهم قابضا على جمر الثورة، فإذا بالمارد الديسمبري ينهض عاتيا ويزلزل الأرض تحت أقدام من فات عليهم ان عمليات القتل بالجملة التي مارسوها في رمضان عام 2019 لم ينجم عنها سوى اشتعال نيران الثورة مجددا كأقوى ما يكون الاشتعال، وأن شعار ما في حصانة يا المشنقة يا الزنزانة ما زال مرفوعا بقوة
= يبدو أن العميد الطاهر أبو هاجة يعمل لحساب نفسه أو لعله يملك تفويضا غير معلن عن جهات وشخصيات كثيرة ليدلي برأيه في عدد من الشؤون!! فلا نعرف للرجل صفة رسمية تخوله اصدار البيانات باسمه، فهو يحمل مسمى المستشار الإعلامي القائد العام للقوات المسلحة، ولكن وكما أشرت أكثر من مرة فإنه يصدر بانتظام تصريحات حول مختلف شؤون الحكم والسياسة بلغة تفتقر الى الكياسة، وكونه مستشار القائد العام لشؤون الاعلام لا يعطيه حتى حق اصدار بيانات باسم القوات المسلحة فتلك مهمة إدارة التوجيه المعنوي والعاملون في تلك الإدارة لا يصدرون البيانات إلا بأسماء أعلى الرتب العسكرية وليس بأسمائهم الشخصية. صدر عن أبو هاجة تصريح بمناسبة المجزرة الأخيرة بنفس اللغة الملتوية التي ينطق بها من يود التنصل من شبهة ما، فقد قال ما معناه ان الحادثة محاولة للوقيعة بين الجيش والثورة، ولكنه لم يشرح لنا كيف يريد قسم من الجيش ان يفعل ذلك، ثم تمثلت قمة الشتارة في القول بأن هناك من يستغل الثوار لتحقيق مآرب سياسية، وهذا ما لا يقوله إلا شخص يعتبر آلاف الناس الذين يستجيبون لنداءات استمرار الفعل الثوري مجرد قطعان بلا إرادة
= لا الفريق شمس الدين كباشي يكنُّ ودا للثورة ولا الثوار يكنون له أي قدر من الود، وقلّ ان يجد كباشي منصة إعلامية دون أن يكشف عن الجفاء بينه وبين ثورة ديسمبر ومن صنعوها وأوصلوه الى القصر، ففي حدودنا الشرقية تحدث قبل أيام عن أمور تتعلق بمنطقة الفشقة نافيا أن يكون هناك مسعى لتأجيرها او بيعها، ثم ردد نفس الموال الذي تغنى به يوم كان ناطقا باسم المجلس العسكري الذي كان يعتزم الانفراد بحكم السودان بعد خلع البشير، ويوم توالت الضغوط على المجلس من قوى الحرية والتغيير لثنيه عن مخططه، بأنه قد تتم الدعوة الى انتخابات عامة خلال سنة او تسعة أشهر، ويعرف عسكريو السيادي ان القوى المدنية لن تقبل بأي انتخابات دون الاستعداد لها بتفكيك دولة الاسلامويين واجراء تعداد سكاني وإنهاء الحروب الأهلية وإعادة توطين النازحين، ولكنهم يتكلمون عن الانتخابات فقط للإيحاء بأنهم زاهدون في الحكم، ولم نر في كباشي ورهطه زهدا في الحكم ولا أضوائه
= قناة النيل الأزرق أبدعت أيما ابداع فمنذ المجزرة الثالثة (في نفس المكان: الأولى كانت بروفة فض الاعتصام في 8 رمضان ثم البيان بالعمل في 29 رمضان قبل عامين، ثم في 29 رمضان الموافق 11 مايو الجاري)، علقت القناة برامجها المعتادة وفتحت ملفات الثورة في أطوارها المختلفة وعرضت جديد المشاهد وبثت الأناشيد التي خرجت من رحم جمهورية الاعتصام التي وأدها نفس الزول ومشاهد من تعاطف مطربين أجانب مع الثورة؛ وكان الانتقال سلسا بمونتاج متقن من مشهد الى آخر، ثم وهي قناة المنوعات التي لا شأن كبيرا لها بالسياسة سجلت سبقا ضخما عندما حاورت د. عمر القراي مدير المناهج المقال، وكان حريا بكل ذي حس صحفي سليم ان يفعل ذلك قبل شهور فقد ملأ الرجل الدنيا وشغل الناس وكانت هناك ملابسات والتباسات كثيرة رافقت تعيينه وإقالته
= هل نهض أمل دنقل من قبره الذي ثوى فيه في مايو من عام 1983:
قلت لكم مرارا/ إن الرصاصة التي ندفع فيها ثمن الكسرة والدواء/ لا تقتل الأعداء/
لكنها تقتلنا إذا رفعنا صوتنا جهارا / تقتلنا، وتقتل الصغارا / قلت لكم في السنة البعيدة/
عن (الذي) يحرس من يمنحه راتبه الشهري/ وزيِّه الرسمي/ ليرهب الخصوم بالجعجعة الجوفاء والقعقعة الشديدة