كنت مذيع صوت العرب فى الاستديو لحظة اغتيال الرئيس السادات فى منصة الاحتفال
فى السادس من أكتوبر .. سمعنا أصوات طلقات نارية متلاحقة وصراخا وفوضى عارمة قادمة
من عربة الإذاعة الخارجية عبر الأثير .. كانت التعليمات أنك كمذيع فى الاستديو لايمكنك
قطع الإرسال إلا إذا قال مذيع الخارجى عبارة “والميكروفون يعود الآن إلى دار الإذاعة بالقاهرة”
..وإذا قمت أنت بالقطع قبل ذلك تتعرض للمساءلة القانونية وربما الاتهام بالخيانة
.. مرت الثوانى بطئية وقاتلة .. ترى ماالذى حدث؟ لا أحد يعلم .. سمعنا مزيدا من الجلبة
والضوضاء والأصوات العالية وزخات الرصاص .. قال مهندس الصوت من خلف زجاج
غرفة الكونترول .. انقلاب انقلاب .. حاولنا الاتصال بمهندسى الإذاعة الخارجية .. لا أحد
يجيب .. طالت الفوضى ثم تباعد الصوت وانقطع .. فأنار المهندس اللمبة الحمراء أمامى ..
وقال استاندباى …. أنت على الهواء ..حاولت امتلاك رباطة جأشى حيث كنت فى الشهور الأولى كمذيع وقلت بصوت وقور .. صوت العرب من القاهرة ..الآن يعود الميكروفون إلى دار الإذاعة .. تستمعون الآن إلى فاصل من الأغانى الوطنية .. وبدأت فى تقديم
وإذاعة الأغانى .. جاء موعد موجز الأنباء .. قرأت الأخبار دون اية اشارة إلى ماحدث ..
ثم واصلت تقديم “تعليق الإذاعة على الأنباء” ثم قمت بتعديل الخريطة وإلغاء البرامج
الترفيهية واستبدالها بالبرامج الثقافية والجادة والدينية وهكذا
.. ساعة تقريبا حتى وصل الأستاذان فهمى عمر رئيس الإذاعة
وأمين بسيونى رئيس صوت العرب .. قالا لى أنت ماشى ممتاز كمل كده بنفس
الأداء والثقة حتى تدخل الطمانينة على المستمعين ريثما يتبين الأمر .. وكان ذلك درسى
الأول فى الثبات الانفعالى
.. من المواقف التى لاتنسى أيضا قصة نقلى لاحتفالات عيد الميلاد من ساحة كنيسة
المهد فى “ بيت لحم “ .. كانت لحظة رائعة تخطف القلب .. أن تعيش ساعات فى أرض
عاش فيها السيد المسيح والسيدة العذراء عليهما السلام .. وتتنسم هواءها وتتعطر
بترابها عندما تمر عليه .. كنت استحضر هذه المشاعر البديعة واحلق مع كلماتى
لعلها تسمو لقدر ومكانة المناسبة
.. سعد أهل هذه البلدة الطيبة بمشاركتنا ثم فؤجئت بعمدة بيت لحم .. إلياس فريج
يطلب على الهواء من قداسة البابا شنودة أن يسمح لمسيحيي مصر بالحج إلى بيت لحم والقدس .. وراح يشرح كيف أن ذلك سوف يساهم فى دعم الفلسطينين وفى رفع الحصار الاسرائيلى عنهم ..
وحاول أن يستطرد ويستفيض على الهواء فى هذه
النقطة شديدة الحساسية .. فتداركت الموقف قائلا له أنتم تعرفون جيدا موقف
مصر وموقف البابا من أنه لاتطبيع مع إسرائيل إلا بالسلام العادل والشامل
وعودة الحقوق والأرض لأصحابها .. بعد الهواء ناقش معى بالتفصيل وجهة نظره
.. فلما لم يجد منى حماسا قال عدنى على الأقل بأنك سوف تنقل رؤيتى لقداسته
.. وعدته بنقل الرسالة محولا دفة الحديث إلى الأجواء الاحتفالية العاطرة ..
.. مذيع الهواء عموما يعيش بشعور رائد الفضاء فى كل مرة تطأ فيها قدماه تجربة
أى بث مباشر جديدة .. وهذا ما حدث لى يوم افتتاح دار الأوبرا المصرية .. إذ شرفت
بأن أكون أول مذيع يقف على مسرح الأوبرا فى حضور الرئيس والشخصيات
العالمية وعظماء مصر من العلماء والوجهاء والمبدعين والأدباء والنجوم ..كانت مهمتى
فى غاية الصعوبة .. أن أشرح لجمهور الحضور ماهو فن الكابوكى ولماذا هو فن
امبراطورى فيه وقار وقدسية يابابية ثم أحكى لهم قصة وتفاصيل العرض الذى سوف
يشاهدونه .. كانت أنظار العالم كله على افتتاح أوبرا القاهرة وكانت كل الوكالات
ومحطات التليفزيون تنقله على الهواء مباشرة .. كمذيع مستجد فهمت ساعتها شعور
أن تكون فى حالة انعدام وزن .. أديت مهمتى ونزلت أبحث فى عيون الناس ..كيف
كنت وكيف كان أدائى .. لمحنى النجم محمود ياسين أثناء العرض فابتسم ورفع لى
كلتا يديه بعلامة الطياريين (أوكيه) .. فهدأت قليلا .. ثم فى الاستراحة صاح د.يوسف
ادريس بصوته الجهورى فى بهو الأوبرا يافلان كم كنت رائعا .. أن لست شاعرا فقط
أنت تمتلك كاريزما النجومية ..فتبسم لى الحضور .. بينما صفق بعضهم
.. فشكرتهم وشكرت أساتذتى على منحى كل هذا الدعم الذى يشبه
طوق النجاة فى لحظات القلق والغرق .. وتعلمت كم هو رائع أن تصفق لمن
يستحق فى الوقت المناسب .. تحية واجبة فى عيد الإعلاميين لأساتذتى صبرى سلامة
وجمالات الزيادى وجلال معوض وسامية صادق وفاروق شوشة ومديحة كمال ونجوى
أبو النجا وعائشة البحراوى وحمدى قنديل وسيد الغضبان ولكل صناع المحتوى الإعلامى المحترم على مدى تاريخ ماسبيرو
.. )(منشورة بالأهرام النهاردة الجمعة 28مايو 2012)(