نعم .. أصبح أنفي بلا حاسة شم .. وباتت الأشياء بطعم العلكة حين يطول مضغها!
إنها، إذن، الكورونا !
أكثر من عام قضيته من قبل في شرنقة صارمة، لا مجاملات اجتماعية، ولا زيارات، ولا مصافحات. كنت نافرًا من فكرة أن تصيبني كورونا أو أكون سببًا في إصابة آخرين بها. قمت بأخذ اللقاحات كاملة خارج السودان، كما قمت بتقليص كافة نشاطاتي إلى أبعد حد ممكن .. ومع ذلك جاءتني العدوى !!
احتقان بسيط في الأنف، توهمت كالآخرين أنه مجرد حساسية عابرة، وهل يعدم الإنسان التبريرات لدحض الأفكار التي لا يريدها أن تغزو دماغه ؟!
فجأة اكتشفت أن قهوتي باتت مجرد ماء ساخن بلا طعم وبلا نكهة وبلا رائحة !!
هذا هو الوصف الذي قالته ابنة أختي التي أصابها ووالدتها ووالدها ما أصابني .. فتيقنت أنني وقعت في شباك الفيروس المخيف.
استسلمت ليد الفاحص الذي أخذ عينة من باطن حلقي .. وما هي إلا أقل من أربع وعشرين ساعة حتى جاءت التقارير تبشرني بأني (مصاب) !
أكبر كوابيس كورونا هو انتظار مضاعفاتها .. ففي الكثير من الحالات تبدأ الأعراض خفيفة .. ثم مع مرور الأيام يبدأ التوغل في أدغالها المرعبة.
خضعت بالكامل للبروتوكول العلاجي، وقطعت صيامي الرمضاني وفي القلب حسرة، ولم تكن البدايات لتستدعي دخول المستشفى .. لكن الترقب كان سيد الموقف.
من سمات كورونا المكر، فقد كنت قبل ظهور الأعراض حاملا للفيروس دون أن أدري، كان مظهري يدل على صحة رائعة، لذلك قبلت دعوة ابن أختي (ناجي) الذي أصر بكرم أصيل على استضافتي لبضعة أيام في منزله بين أفراد أسرته الصغيرة الجميلة. لم يكن مضيفي يعلم أنه قد استدرج الفيروس إلى منزله، فإذا به يلتقط العدوى مني قبل ظهور الأعراض على جسدي .. ولحقني بعد يوم من نتيجتي ليركب معي في سرج المصابين.
كنت محظوظا جدا بسبب أخذي المبكر للقاح كورونا، فبفضل الله لم أصب بارتفاعات في الحرارة أو أعراض تنفسية، ولم تتدهور حالتي الصحية، لكن ضياع الشم وطغيان الفتور والإحساس بأن ثمة شيئا غير معتاد يعتري الجسم كان أمرًا ملحوظًا ومستمرًا استشعره ولا أقدر على وصفه !
شفيت من الكورونا .. وشفي من كانوا مصابين معي من أفراد العائلة .. كما شفي ابن أختي الباشمهندس (ناجي)، وعدت إلى ارتشاف قهوتي مستشعرًا رائحتها ومذاقها بكل تلذذ ومتعة .
الحمد لله . ثم الشكر لكل الزملاء والأصدقاء والأهل والمعارف ممن آزرونا بالدعاء والكلم الطيب.