رحم الله الريس عبدالمنعم عبدالعال حميدة رئيس الرابطة الرياضية للسودانيين بالخارج – الصالحية في العامصة السعودية الرياض الذي يجسد شخصية رجل العمل العام، الذي يهب نفسه للآخرين، متفانياً في خدمتهم، على حساب نفسه وأسرته.
قدم الرجل لمن حوله درساً في تحمل المسؤولية، والاستعداد للتضحية من أجل تأكيد المبادىء التي آمن بها، حين اختار أن ينتمي للرياضة، ويخلص لها، وهو رجل المنابر الذي تحتاج إلى أمثاله دنيا السياسة، والأحزاب والقوى السياسية التي تشعر بندرة من يملكون ناصية الكلمة، والقدرة على التأثير.
رفع الريس شعارات “استقلالية الحركة الرياضية وديمقراطيتها وجماعية القيادة”، و”كلنا فائزون”، وحاول أن يترجم ذلك بالاعتماد على نظام حاكم يتكىء على قوانين الفيفا، واتحاد كرة القدم السوداني، فعرفت الرابطة وفرقها جميعها الجمعيات العمومية التي تنتخب من يمثلونها بالتصويت الحر، ووضع نفسه تحت إمرة الجمعية العمومية، وفي بعض الأحيان، كان يجد نفسه في موقف الدفاع عن قراراته وممارساته، حتى لو كان التساؤل والاستجواب من شباب في سن أحفاده.
رفض تأجيل نهائي الدوري بسبب وفاة ابنه الغالي محمد، رحمه الله، الذي كان ينتظر تخرجه في كلية الطب بفارغ الصبر، ورغم الفجيعة آثر التمسك بالنظام، وكان صارماً في تطبيقه، ليضرب المثل في احترام القانون، وترجمة شعار كثيراً ما ظلّ يرفعه، ويدافع عنه.
تعرض الريس لكثير من الامتحانات العسيرة في سبيل مبادئه، وأهمها عدم الخضوع لتهديدات النظام البائد وإغراءاته، إذ كان لقاؤه مع السيد عبدالعزيز خالد في القاهرة سبباً في أن يحرض جهاز الأمن عليه أذنابه، الذين حاولوا تشويه صورته بالمنشورات المسيئة، التي تجاوزته إلى كل من له علاقة معه، وبلغ الأمر ذروته حين كادوا له، بحرق سيارته، ثم تلفيق التهم له، حتى انكشف سترتهم، وأزال الله الغمة عنه.
كانت امتحاناته اختباراً أيضاً لمعادن كل من حوله، فصمد كثيرون، وأخلصوا له، وبلغت بهم رابطة الصالحية مكانة سامقة، جعلتها قبلة كل الوطنيين إلى يوم الناس هذا.
وهذا التاريخ لا نذكره بعمومه فقط وفاءً للرجل، وقد رحل عن هذه الفانية، وإنما أيضاً، تذكيراً لكل من يخوضون غمار العمل العام الآن في الرياض عبر كيانات كان للراحل المقيم اليد الطولى سواء في تأسيسها، مثل: الملتقى السوداني الثقافي الرياضي الاجتماعي، أو في ترسيخها ودعمها، مثل: جمعية الصحفيين السودانيين، والجمعيات الثقافية المختلفة، التي كانت لها مواقف وطنية مشهودة، وقد دفعت ثمناً غالياً لها.
نذكر القائمين على أمر تلك الكيانات بالمبادىء التي ينبغي أن يتمسكوا بها في هذه المرحلة المهمة من تاريخ الوطن، التي تقتضي التوافق حول مشتركات عامة يعمل من أجلها الجميع في تناغم، حتى يسهموا في دعم التحول الديمقراطي في البلاد، بعد أن كان لهم دورهم الكبير في ثورتنا المجيدة
ويقتضي الأمر تذكير سفارتنا في الرياض أن لا خلاف في أن المواطنين جميعاً على قدم المساواة، وأن المواطنة هي أساس التفاضل، ولكن لا يستقيم الحال إذا عرفنا أن هناك من تنعموا بالسلطة طوال 30 عاماً، واستغلوها في تحقيق مصالحهم الشخصية، ومصالح كيانهم المتمثل في المؤتمر الوطني وتشعباته الممثلة في كيانات كثيرة ولجت العمل العام، وولغت في المال العام، واستغلت المنابر من إذاعة وتلفزيون وصحافة ووسائل تواصل اجتماعي للإساءة للآخرين والنيل منهم، ويمثل الريس عبدالمنعم عبدالعال النموذج الأوضح في التضرر من أولئك بالاستهداف المباشر له، ولكل من كان معه في مواقفه.
على السفارة أن تتخلى عما تتخيله مثالية، لأن في ذلك ظلماً لمن اكتووا بنيران الإخوان المسلمين، ومن ثم، عليها أن تكشف ما كان من ممارسات ارتدت سلباً على الوطن وعلى كثير من المواطنين، الذين نال منهم التشهير والإقصاء، كما نال بعض مطبلاتية النظام وظائف ومواقع لا يستحقونها في عدد من الجهات، ومن بينها أجهزة الإعلام الرسمية.
ونحن إذ نقدر بعض جهود السفارة في الارتقاء بخدماتها، وحرصها على تبني بعض مشكلات أبناء الجالية، ومنها ارتفاع بعض الرسوم، وخصوصاً رسم إصدار جواز السفر الجديد، وكذلك قضية تعليم الأبناء، فإننا نتطلع إلى أن يكون لها تقييمها الموضوعي للأمور المبني على الوثائق التي بين يديها، إذ ليس منطقاً ولا عدلاً ان نتعامى عن الحقائق والبينات في زمن شعاره الشفافية، وإزالة التمكين، ومحاسبة كل من أسهموا في هذا التمكين، لأنه لولاهم ما جثم النظام على صدورنا 30 عاماً.
فلتفتح سفاراتنا في كل الدول الدفاتر لكشف المستور، حتى لا يخرج الكيزان من جحورهم مرة أخرى ليتصدروا المشهد؛ لأنهم بصراحة “يخافوا وما يختشوا”.