هل عندما يتحامل الشعب السوداني على نفسه ويبتسم في وجه المكاره يحسبه الساسة غبياً يمكن تجاوزه عند اتخاذ القرارات المصيرية المتعلقة بأمنه وسلامه وتعليمه ومعاشه؟!
هل يظن من أوكلنا إليهم تحقيق شعار (الحرية والسلام والعدالة) أن جماهير الثورة لا تعي ولا تفهم ما تغنت به، وضحّت من أجله بدمائها، وقدم الشهداء (أرواحهم الغالية) مُهراً لكي يعيش الآخرون حياة كريمة تضاهي هذه التضحية، وترتفع في رفاهيتها للسمو والتجرد ونكران الذات.
الشعب السوداني بفطرته، ليس غبياً لهذا الحد الذي يمكن أن يتلاعب به السياسيون بالكلمات الرنانة حتى يقبع في ضنكٍ مفتعل،! بذكائه المعهود يحب المواطن السياسة، ويجيد تحليلاتها، ويقرأ بحصافة ما بين الأسطر، فلماذا لا يجد ضالته في حكم راشد بإرادة قوية تفهم (ماذا يريد الوطن)؟، ويستطيع توضيح مواقفه للجماهير بلا أصباغ ولا مكياج، ندري أن دنيا السياسة ملِيئة (بالسر والجهر والتخافت)، ولكن هذا لا يعفي الحكومة من أن تعلن عن مشاريعها وخططها بقوة وعزم يبث الاطمئنان والثقة في شرايين الشارع الذي بدأ يتململ من نتائج ثورته الظافرة.
هل ينتظر السودان بكل ثرواته الاستثمار الأجنبي لكي ننهض من عثرتنا هذه، ونتنفس الأكسجين النقي من على سطح الأرض؟ هل حددت حكومتنا الانتقالية وسائل جاذبة لاستثمار رأس المال الوطني بكامل أنواعه (النقدي والفكري والخبرات والموارد الطبيعية وقبل كل ذلك الموارد البشرية)؟ حتى الشركات العالمية الكُبرى التي نُغازلها سوف تدرس الوضع الماثل أمامها جيداً؛ ما هي البنيات التحتية التي يمكن أن تبتسم لهم (الطرق البرية السريعة- الاتصالات- الطاقة – البنية المصرفية، الأمن، استقرار سعر الصرف)؟.
التأييد المطلق الذي وجده الدكتور عبد الله حمدوك وحكومته لم يتوافر لأي زعيم سوداني من قبل، وذلك من منطلقات ثورية ومواصفات اقتصادية وُجدت بكثافة في شخصية رئيس الوزراء، فبدأ الرجل يرتق في جسد أنهكته عبثيات 30 عاماً من الضغط عليه حتى أصبح مهترئاً لا يقوى على وضع إبرة عليه، وبخاصة أن أعداء الوطن كلما سُدت ثغرة ليطل من خلالها الأمل، فتحوا ثغرات للخراب واليأس ونعق البوم، دونما أن يجدوا عقاباً أو مقاومة حتى استمرؤوا التلذذ بزرع الفتن في طريق الحكم الانتقالي، وإلا كيف نتكلم عن السلام والأمن داخل المدن غير مستتب؟
كيف نتحدث عن ترسيخ دولة قوية تحترم نفسها ومواطنيها وضيوفها المستثمرين والجريمة المنظمة تترهل في شوارع العاصمة ولا تجد من يحسمها؟ هل ظنت الأجهزة الأمنية بكل مكوناتها أن الشعب السوداني غبياً يمكن أن تسكته (تطمينات) من هنا ومن هناك وهو يرى بأم عينيه تراخياً غير مبرر من التصدي بالخطط لهذه الظواهر؟ إذن كيف تتدفق علينا الاستثمارات الأجنبية والدولة أركانها الداخلية مهزوزة من كل الجوانب؟!
هيبة الدولة قد سُبيت في وضح النهار عندما عجزت عن تقديم قطاع الطرق واللصوص لمحاكمات سريعة ورادعة؛ تعيد للمواطن ثقته وتحفظ للقانون جبروته وسطوته على الجميع، فإذا غابت هيبة الدولة فكل فساد وإفساد وفوضى تتخيلها ستكون هي ديدن حياتنا.