نشكر رئيس الوزراء عبدالله حمدوك على خروجه للتحدث للأمة السودانية شارحاً بالاستفاضة بعضا من التحديات التي تجابهها البلاد. ولو أن السيد حمدوك خصص على الأقل خطابا أسبوعياً منذ توليه يكاشف فيه شعبه احتراماً لوجد التقدير الدائم في هذه اللحظات الصعبة التي يواجهها بوصفه المسؤول التنفيذي الأول عن البلاد.
فالشعب السوداني الذي صبر على كل الطغاة لن يغلبه الصبر على رئيس وزراء انتخبه ممثلو ثوار من بين كل الناس لقضاء أموره. وهذا الانتخاب وحده كافٍ ليهتم حمدوك بمصارحة شعبه بشفافية وسط هذه الأزمات المتناسلة بصورة منتظمة. فالمهم هو أن يكون حمدوك وأعضاء حكومته حاضرين في وسائل الإعلام ليشرحوا خططهم، والمعوقات التي يعايشونها، عوضا عن أن يكون الشعب كله تحت رحمة الشائعات التي غطت على رسالة الأجهزة الإعلامية الرسمية والخاصة لنشر الأخبار الصحيحة.
ومع ذلك نتمنى أن يتبع حمدوك ذلك الخطاب الذي بين خططه بالدعوة لمؤتمر صحفي يحضره الإعلاميون، إذ إن لديهم أيضاً حاجات لسبر غور بعض القضايا حتى يعرف المواطن مصير غده.
نحن نقدر بطبيعة الحال حاضر البلاد التي ترزح في مشاكل جمة في ظل غياب الإنتاج، ومدخلاته، الذي جعلنا تحت رحمة المانحين الذين لديهم بالطبع أجندات إقليمية، ودولية، لا تخفى. وترزح البلاد تحت ضغط محاولات التعويق التي تواجه الثورة سواء من أشخاص داخل مجلس شركاء الثورة نفسه، أو من قيادات، وكوادر، الحركة الإسلامية داخل جهاز الدولة وخارجه، ومن قوى خارجية تريدنا أداة لتحقيق مصالحها، وتطلعاتها التوسعية عبر صراع الأحلاف الجيواستراتيجية العربية، والإسلامية، والدولية.
ولكن في ذات الوقت نقدر أن حالتنا تستدعي في المقام الأول قيادة ملهمة في قلب المعادلة لصالح خيال سياسي يقطع مع فساد الممارسة السياسية السابقة.
فلما كانت ثورة ديسمبر هي تراكم لنضالات متعددة لرفض دولة الحزب الواحد فإن المتوقع في قيادتها التنفيذية أن تتحلى بالثورية، والشجاعة، لتقويض هذه الدولة، وعناصرها، لخلق بديل الدولة الوطنية. وهذا ليس هو النهج الماثل الآن، فيُخرب بالتالي – وبالضرورة – كل ما تجنيه مساعي حمدوك في الخارج بمؤامرات هذه العناصر التخريبية التي تشكل المعوق الأول للانتقال.
إن تثوير همة المرحلة بتحقيق التقشف الضروري في منصرفات الدولة مطلوب بإلحاح. فإذا كانت لدينا خمسين سفارة تكلفنا في العقد الواحد مليارات الدولارات فلا حاجة إلا لربعها ليعود هذا الإدخار لمشاريع زراعية، وصناعية، تملك للشباب، خصوصا أن في بلدان تبلغ مساحتها مجتمعة حجم السودان تجد فيها عشرين سفارة سودانية، فتأمل كيف يستقيم التغيير؟!.
والسؤال هنا ما الذي يحققه هؤلاء السفراء في ظل تضور مواطني البلاد جوعا، ارتداء البدل الأنيقة، والمارسيديهات الفخمة، والتمتع بصرف مئة ألف دولار سنويا، وفي البرازيل حتى؟! وماذا نصدر لها، وماذا نستورد منها – بن مثلا – وهل هي دولة فاعلة في دعم مواقفنا الدولية، وهل لدينا جالية معتبرة فيها؟!!
إن المثال القيادي الذي يوازي مثالية ثورة ديسمبر افتقدناه لدى حمدوك، وكثير من وزرائه، ووكلائه، ومسؤوليه، سواء ما خص الخيال السياسي، أو الجرأة في إجراء جراحة قيصرية داخلية لترشيد الموارد. فصار سفر وزيرة الخارجية مصدرا للتندر.
فثورة ميزت حمدوك بهذا المنصب الرفيع من بين الآلاف من الخبراء السودانيين كان ينبغي عليه أن يعمل داخليا على الاهتمام بتفجير طاقات البلاد بسياسات خلاقة ملهمة للشباب، وقريبة منهم، ولطموحهم الوطني الدافق. وذلك في حدود مساحة مسؤوليته عن الجهاز التنفيذي الذي يمتلئ بثعابين النظام البائد في المؤسسات الاقتصادية، والتجارية، والزراعية، والإعلامية، الذين يعوقون كل مجهود يقوم به.
في مجالنا الإعلامي مثلا توجد أكثر من عشر مؤسسات تابعة للوزارة المعنية، معظم كوادرها من بقايا النظام، وعلينا أن نفكر في قيمة ما تنتجه في حقل الثقافة والإعلام في ظل تحرر الإنتاج الثقافي، والإعلامي، وسيطرة الفلول على توجيه الرأي العام بعمل مخطط، ومثابر لتشويش الحقائق هزم فاعلية الإذاعة، وسونا، والتلفزيون مجتمعين.
كل ما نرجوه من حمدوك هو أن يهتم داخليا بالبيئة التي يعمل فيها، فمعظمها خرب نتيجة لسياسات النظام السابق، وسيطرة كوادره عليها، ولا حاجة له لانتظار لجنة التمكين لتنظف له الملعب، وأرجو ألا يكون صحيحا ما سمعناه انه قدم توجيهات بألا يتم تجريف الخدمة العامة لعدم قانونية الإجراء في ذلك الشأن.