نعم.. أثار قرار رفع الدعم عن السلع البترولية كثيراً من ردود الأفعال الغاضبة لتسبُّبه المباشر في الزيادة الأخيرة للأسعار؛ مما دفع بعض الثوَّار إلى المطالبة بإسقاط الحكومة، وهو ما يتماشى تماماً مع آمال وتطلعات الفلول، ويمثِّل أغلى أمانيهم، ولكن من المهم أن يعلم المواطن بأن فساد الثلاثين عاماً الماضية أضرّ بشدة بالبلاد، وأفسد أخلاق كثير من أهلها، فدعم المحروقات الذي نتجت عنه مديونيات ضخمة للبنك المركزي وموازنة متواضعة ونسبة تضخم تخطّت 200% وعطالة بلغت 66% وندرة بائنة في الإنتاجية ترتب عليها اضمحلال الطموح لدى غالبية شباب الوطن.. إذ كان الدعم الحكومي للمحروقات والذي يقدّر بمليار دولار سنوياً يساهم بشكلٍ مباشر في ممارسات مشينة أهمها التهريب والتخزين واختلاق الأزمات لرفع أسعار السوق السوداء والتكسُّب الطائل منها، وقد ظهرت مع الإنقاذ طبقة طفيلية مُنتفعة من تلك الأزمات تعدّ من ألد أعداء الوطن لم تترك شيئاً يؤذي الإقتصاد إلاّ واستباحته كالاتجار المتفشِّي بالعملة، ولم تستفِد من ذلك شرائح الشعب المختلفة بأي شكل من الأشكال، بل كانت هي التي تسدِّد فواتير تلك السياسات التخريبية والتشوهات الإقتصادية التي تبنَّاها نظام الإنقاذ وأوغل في ترسيخها، وقام بتوجيه النسبة الأعلى من الموازنة العامة للدفاع والمنشآت والمشاريع العسكرية، وكان التعليم هو الأقل نسبة، وعمل النظام على تغيير وطباعة العملة كلما ازداد العجز وتمدُّد التضخم لعدم وجود إنتاج يساوي حجم تلك العملة المطبوعة، وتقهقر مدخولات الصادرات لخزينة الدولة وتحكُّم الشركات الخاصة فيها “الشركات التابعة للجيش والدعم السريع والشخصيات النافذة في الحزب الحاكم وبعض المنتفعين والطفيليين من أعداء السودان”.
إنَّ دعم المحروقات بشكلٍ خاص يؤدي إلى انحياز الإنتاج للصناعات ذات الكثافة الرأسمالية بينما تهدف الحكومة الحالية في إزالة تلك التشوهات المكلفة، والسياسات الأخرى التي توفر الحماية للمكاسب السريعة، مع تحسين الحوافز التجارية خاصة في قطاعي الصناعات التحويلية والخدمات، وهذا ما يؤثر جوهرياً في عامة الشعب؛ لأنه يميل إلى خلق وظائف أكثر من الاستثمار في القطاعات ذات الكثافة الرأسمالية والمدفوعة بالموارد، مثل هذه الأجندة الإصلاحية طموحة وبنّاءة، وتحتاج إلى رؤية سياسية والتزام واستمرارية، إلى جانب تعزيز الإجراءات المساندة كشبكات الأمان وبرامج التدريب والتطوير.
لن نتهاون في انتقاد هذه الحكومة وكل ممارساتها الخاطئة وتلكؤها في حسم أي قضيةٍ تمس المواطن بشكلٍ مباشر، إلاَّ أننا نراهن على وعي المواطن ومعرفته بحقوقه وواجباته ومعرفة التوقيت المثالي لإسقاطها إن استدعى الأمر، وعدم الانقياد وراء الحملات الوهمية التي يتبناها إعلام الفلول، ومحاولاته توجيه غضب الشارع في خلق البلبلة وزعزعة استقرار وأمن العباد والبلاد، وإيهام البسطاء بأنها حملة وعي للمواطن، وأن الشعب قد ضاق ذرعاً بحكومة “الفشل” كما أسماها، واتخاذ شعار (تسقط تالت) في 30 يونيو المقبل كدعوةٍ صريحةٍ للجيش بأن يتسلَّم مقاليد السُلطة وينادي بانتخابات فورية كما فعل نظام (إخوان مرسي) في مصر للانقضاض على الديمقراطية، حيث كان تنظيمهم هو الأكثر جاهزية وجماهيرية في ذلك الوقت لكسبها. وهنا لابد أن نتساءل نحن الثوّارٍ الذين يريدون تحقيق أهداف ثورتهم وَيَعون دورهم وواجبهم تماماً في النقد وكيفية المطالبة بحقوقهم: لماذا هذه الدعوات للخروج في الثلاثين من يونيو تحديداً؟ وما هو الجديد الذي يستدعي ذلك الخروج وإسقاط الحكومة؟ أهو بسبب رفع الدعم أم رفع القناع عن كل من توهَّم بأنه وطني وهو العدو الأكبر لوطنه بالتعامل مع التهريب والسوق السوداء التي تعرقل المسير وتشلُّ الاقتصاد.
من أكبر الإشراقات التي تحسب لحكومة الثورة قطعها أشواطاً كبيرة في التعرُّف على مواطن العلل والبدء بشجاعة في اتخاذ القرارات الصائبة لعلاجها، فقد اتخذت التدابير اللازمة لدعم الأسر الفقيرة بمبادرة ثمرات، وبدأت في استعادة بعض شركات الذهب والبترول التابعة للجيش وألحقتها بوزارة المالية في خطوة أقل ما توصف بأنها خطوة في طريق خفض التضخم الذي اذا استمر ووصل إلى الصفر ، فإن الاقتصاد سينتعش وتنخفض تلقائياً أسعار السلع والخدمات المُنتَجة.. وعليه فلابد ان نتحلّى بالصبر وأن ننظر لمصالح البلاد أولاً ومحاربة كل ما يقود للإضرار بها.. ونطالب الحكومة بتوجيه الدعم المباشر للأسر الفقيرة ورفع أجور محدودي الدخل وإعادة فكرة الجمعيات التعاونية للسلع الاستهلاكية بأسعار زهيدة تمكنهم من توفير احتياجات المأكل والمشرب بما يسد رمقهم وعائلاتهم بعدما أصبحت تمثّل هاجساً لغالبية أهلنا بمختلف مستوياتهم في القرى والمدن على حد السواء.. وليحفظ اللّٰه سوداننا ويهدينا ويصلح أحوالنا.
م. أكرم عمر
18 يونيو 2021م