تفاجأ الوسط السياسي امس الاثنين بمنشور على الصفحة الرسمية لرئيس مجلس الوزراء الدكتور عبدالله حمدوك وهو يعلن عن تقديم مبادرة منه بعنوان (الازمة الوطنية وقضايا الانتقال – الطريق الى الامام)، والتي كما ذكر في منشوره تهدف لتوحيد مكونات الثورة، من أجل تحصين الانتقال الديمقراطي وتحقيق أهداف ثورة ديسمبر. وهي خطوة جيدة بكل المقاييس تظهر جانبا جديدا في شخصية رئيس الوزراء، وهي شخصية بدأت تظهر منذ خطابه الأخير الذي ظهر فيه بمظهر قوي وبطرح واضح وشفاف لبرنامج حكومته التنفيذية.
الدكتور حمدوك شخصية وفاقية، هو أقرب إلى التكنوقراط الملتزم بقضايا بلده من السياسي البراغماتي الحاسم النافذ، وهو ما جعل الفترة الماضية من عمر قيادته لمجلس الوزراء مضطربة بعض الشيء، وفيها الكثير من السيولة السياسية، وخاصة في مجالات الأمن والعدالة، يمكن أن يبرر البعض بأن حمدوك انشغل عن قضايا الامن والعدالة بانهماكه في المرحلة الماضية في قضية جوهرية هي الموقف الدولي للسودان، وهي المهمة التي تطلبت منه العمل على ملفات ضخمة مثل إخراج السودان من قائمة الدول الراعية للارهاب، وفك أسره من قيود الحصار والعقوبات الأمريكية، واستعادة علاقاته الطبيعية مع المؤسسات والمنظمات الدولية، ثم عمله في مجال إعفاء ديون السودان الضخمة، وتطبيع العلاقات الاقتصادية والسياسية مع أعلى مؤسسات التمويل الدولية المتمثلة في البنك الدولي وصندوق النقد والاتحاد الأوروبي وبقية الدول الصناعية حول العالم، وهو تبرير لا يخلو من منطق، ويوضح بأن رئيس الوزراء لعب في الفترة الماضية في ميدان خبراته، فهذه المهام يفهم فيها رئيس الوزراء ويجيدها بحسب خبرته الطويلة من خلال العمل في مؤسسات الأمم المتحدة.
معظم السياسيين لا يعلمون لرئيس الوزراء نشاط سياسي عبر ماضي حياته، وهو ما يجعلنا نفترض أن خبرته في دهاليز العمل السياسي السوداني ليست مشابهة لخبرته في مجالات العمل الاقتصادي الدولي، وهذا ما يجعلنا نستنتج أن الأداء السياسي قد لا تكون نتائجه ناجحة بالقدر الذي حدث في ملف العلاقات الدولية، وهذا ما يثير كثير من الاسئلة حول قدرة رئيس الوزراء على معالجة الأزمة السياسية التي تتعلق بالأساس بالمخاطبة الواعية للفرقاء السياسيين المختلفين في السودان، والذين ينتمون إلى تيارات متباينة من اليمين المتزمت إلى اليسار المتخشب مرورا بالوسط العريض، وهو ما يجعل التحدي ضخما امام قدرة مبادرة رئيس الوزراء على أحداث الاختراق المرجو في توحيد الكتلة الثورية وتحصين المسار الديمقراطي.
قد تكون فترة السنتين الماضيتين اللتين تسنم فيهما الدكتور عبدالله حمدوك قيادة الدولة التنفيذية في مرحلة حساسة وحرجة من تاريخ السودان، ووجوده في قلب أحداث سياسية عاصفة، وفي جو سياسي ملتهب، شهد العديد من الخلافات والمواقف والشد والجذب بين الأطراف السياسية والثورية والعسكرية المختلفة، ما يشحذ كنانة الرجل ببعض الخبرة اللازمة من أجل تقديم مبادرة تتجاوز المبادرات الاسمية إلى كونها مبادرة حقيقية واقعية وقادرة على إنجاز أهدافها، والتي لن تتعدى وحدة الكيانات الثورية بما فيها توحيد قوى الحرية والتغيير وإعادة المجمدين والمنسحبين إليها وتوسيعها بإضافة قوى الثورة من لجان مقاومة وتيارات شبابية ومجتمعية وسياسية لم تكن ضمن قحت في الفترة الماضية، والاستفادة من هذه الوحدة في إنجاز ملف المجلس التشريعي بالتوافق، والعمل سويا بين كافة قوى الثورة من اجب إنجاز بقية أهداف ثورة ديسمبر من عدالة وسلام بذات هذه الوحدة العضوية لتيارات الثورة.
sondy25@gmail.com