حين مالت شمس السادس والعشرين من رمضان نحو مغيبها شعرنا كأنها تشرق ..لاحت فى الافق بشائر الضياء الرباني ذاك، من على ربى ذات النخلات الشامخات المباركات..انفاس القوم تتلاحق وهم يختلسون النظرات اللهوفة من الأعالي(إنه هو)!..(إنه هو)!- كما المشهد فى فيلم(الرسالة)..ازدهت القلوب بطلته المنيرة، صلى الله عليه وسلم، قادما من مكة المكرمة،تتويجا لهجرته المباركة التى غيرت مسار التاريخ، ولله الحمد.. بها انشرحت الصدور وابتهلت تردد انشودة الازل، ومازالت حتى اليوم، مصدر إلهام للمسلمين:
طلع البدر علينا من ثنيات الوداع
وجب الشكر علينا ما دعا لله داع
أيها المبعوث فينا جئت بالأمر المطاع
جئت شرفت المدينة مرحبا يا خير داع.
وأدركنا ما تمنينا، ولله الحمد..المسجد النبوي.. فتحت الأبواب بتدابير محكمة ميسرة..ما عليك الا بجوالك فى يدك، فانت محصن(باللقاح او بالمعافاة من الجائحة) وتطبيق(توكلنا) يدل عليك، مبروك..الزيارة هذه المرة مختلفة، تحكم اجراءاتها ضوابط صحية صارمة لكنها ما حالت دون من(بيتوا النية) على حب المصطفى صلى الله عليه وسلم وزيارته..ذات الزحام المبرور ولكن المسافات محكمة بين الافراد، الكمامة حاضرة، مصلاتك على كتفك،و(التوكل)دليلك.. الزحام طابع المشهد.. نظام بديع، افطار جماعي مرتب للالاف وفى لحظة.. يقف عليه بهمة عاملون ابرار، ماء زمزم بين يديك، إفطارا وسحور..الكل غايته ادراك ليلة السابع والعشرين بالمسجد النبوي..الضوابط الصحية مرحب بها من الجميع، غايتها راحة المعتمر والزائر وتجنب الوباء الذى كان قد بلغ به أذاه أن تجرأ وحرم(أمة محمد) من الصلاة فى الحرمين الشريفين فى العام الماضي، كفى الله العباد شره.
برغم الجائحة فإن المملكة تتفوق على نفسها..تؤمن الحماية وجودة الخدمات.. تبادر بقياس رضا ضيوف الرحمن، كما اوردت صحيفة(الرياض)،قياسا دقيقا عبر المركز الوطني لقياس الاجهزة العامة(اداء)..الهدف جودة الخدمات..يستخدم المركز التطبيقات الالكترونية وادوات البحث العلمي،الاستبيانات الهاتفية، والزيارات..بحوثه تغطي مراحل اداء المناسك، وخدمات الاقامة، والرعاية الطبية، والترحيل وقد انضم لأسطوله قطار بديع محسوب الخطي الكترونيا..كل ذلك وفق رؤية الدولة المطروحة 2030 القاضية بتقديم افضل الخدمات لضيوف الرحمن وقياس رضاهم عنها..السعودية تتقدم.
تدابير وفق رؤية الدولة الاستراتيجية جعلت اداء العمرة وزيارة المدينة المنورة أمرا متميزا برغم الوباء.. إن مشهد المدينة المنورة والمسجد النبوي ليلة السابع والعشرين من رمضان يذكرك بزحام الحج.. اعاد للذاكرة ما كان من تعلق المسلمين بالمكان والزمان على مر السنين،ولذلك كانت الفرحة طاغية..امام المسجد النبوي الدكتور على الحزيفي، جزاه الله خيرا، فاجأ الناس بكلمة احتفالية متجلية عقب صلاة العشاء الاخيرة من الشهر المبارك فزف التهاني باقامة الصلوات بالمسجد النبوي فى رمضان هذا العام، منوها الى ما كان من أمر العام الماضي حيث اغلقت ابواب المساجد بسبب الوباء..سرت فرحة عارمة وسط المصلين أن كانوا أول العائدين..إن المدينة المنورة كلها كانت تبدو فرحة بعودة زوارها.
وجاء العيد..تنادى المصلون للحرم النبوي منذ الساعة الثانية صباحا متدثرين بحلل الناجين من البلاء بفضل الله تعالى، له حامدين شاكرين..اثنى الامام كسابقه على حسن الترتيب وانسياب الاجراءات الاحترازية وما حظيت من تجاوب، سائلا الله ان يجزي جلالة الملك سلمان بن عبدالعزيز وولي عهده خيرالجزاء..وتوجه بالدعاء للمسلمين كافة، بأن يقضى الله تعالى حاجة من له حاجة،ويرحم من اختارهم، ويحفظ العباد وتزول الجانحة.
الإلحاح بالدعاء والصلاة والسلام على(ساكن المدينة) شغف كل من لاقيت..هي خاصية معروفة فى أهل السودان كحبهم له عليه الصلاة والسلام..ومن بعد زيارة مسجد قباء، البقيع،جبل أحد..الدعاء فى كل حال مقترنا بالصلاة والسلام ممن انظاره متعلقة بالقبة الخضراء ومن البعيد..إني لكثرة ما استقبلت من مناشدات ( بلغ سلامي..أدع لي) حملت نفسي على تدوين الاسماء لاذكرها فى حضرة ساكن القبة زادها الله تشريفا، إبراء للذمة..واستفتيت فى ذلك فقيل(النية واصلة)..لازمتني القائمة فحاولت اتذكر من لو كان علم بسفري ما تاخر فى الوصية، ومن رجحت تقصيري فيما ما انقطع من تواصل معه فاستغفرت الله لي وله،ولعل فى هذا فتوى..اتسعت القائمة، وكنت تذكرت صديقا زار الحرمين يوما فاخبرني بانه دعا لي..وزاد من باب اليقين(وكان ترتيبك الرابع)!..ارتحت لذلك.. زاد ونوه أنه دعا للوالديه وللوطن..فارتحت أكثر..لا شك أن ترتيبي جاء بعد أقرب الأقربين لابن بار بوالديه ووطنه..تقبل الله دعاء كل من دعا أو أوصى أو نوى..اللهم يسر وبارك واحفظ البلاد والعباد، وصل وسلم على سيدنا محمد وعلى اله وصحبه الابرار.
د.عبدالسلام محمد خير