بلقائه نجل مرشد الختمية بدأ يتكشف رويداً، رويداً، جانب من الهدف السياسي لرئيس الوزراء من مبادرته. والحال هكذا، فربما نقرأ غداً، أو نشاهد، أو نسمع أن عبد الرحمن المهدي التقاه من وراء حجاب استجابةً لحجة مبررة من المهدي تقول: “نحن أيضا وقفنا ضد ثورة الشباب..فلماذا لا تشملونا ببسمة، ونظرة تغير حالي”.
ولو حدث هذا يكون حمدوك قد أرادنا أن نتوثب معه في حوار يهدف إلى تقنين الهبوط الناعم الذي يحاربه إخواننا، وأخواتنا، في الضفة الأخرى، ويريدون إسقاط “شركاء الدم” كما جرى هذا المصطلح الجديد على ألسنتهم. مع التذكير هنا أن المبادرة أصلا شخصية، ولا تقوم في المحصلة العامة على ساق دستورية مثل ما لعقد المؤتمر الدستوري من ساق مكسورة في الوثيقة، ومن ثم تكون ملزمة.
بعد تأمل قليل في فهم “حمدوك ما بعد المبادرة”، وهو قد تجنب قبلاً أسئلة الصحافيين، والصحافيات، لشرح هدفه الجديد، وبدا الآن واضحاً معنى المبادرة عبر أول لقاءاته، اجتهدت وتوصلت إلى الآتي، وإذا أخطأت فلي الأجر كما يقول الإسلام، أما إذا ظلمت رئيس الوزراء فليغفر لي:
1- مبادرة حمدوك التي تكشفت بعد لقاء نجل الميرغني تبقى كأنها سعي للالتفاف على الوثيقة الدستورية لكونها حصرت الشركاء، وعرفتهم، وحصرت حركة حمدوك بألا يكسب ود الميرغني، والشعبي، وبقية الفصائل الساقطة مع النظام كما رغب حين عاد للبلاد. وعليه فهو يريد وثيقة جديدة يستأنف بها خطاً جديدا كرئيس وزراء للكتلة التاريخية غير متفق على تعريفها، وليس مسؤولا يعمل تحت إمرة أصحاب الثورة، وخصوصا شبابها. أوليس كذلك؟ ولماذا لا يكون اللقاء أولا مع شباب المقاومة مثلا، أو الشيوعيين؟ الإجابة ربما لدى المستشاريين الذين يراعون، أو لا يراعون، سلامة التخطيط.
2- بذلك اللقاء، وما يتبعه، يريد حمدوك العودة لتجديد محاولاته الأولى في تسويق نفسه رئيس وزراء “السودان” واخد بالك السودان! – كما قال في مؤتمره الصحفي الأول – ثم التقى بعدها قيادات المؤتمر الشعبي. ولاحقا رضى مع إبراهيم البدوي أن يجلس مع غازي صلاح الدين، والفاتح عروة، وسمية سف…….، جنبا إلى جنب في مؤتمر شاتام المشبوه لتقنين وصفة أجنبية لاقتصادنا. ولأنه واجه هجمة مرتدة حينذاك أضمر حمدوك هدفه ليكسب الثوار شبابهم، وعجائزهم، على حد سواء. ذلك حتى لا يخسرهم بسبب الاقتراب من أولئك الذين كانوا يتلذذون بمنظر التاتشرات تحصد أرواح كثيرة، وروح ذلك الشاب الجسور الذي اتكأ مضرجاً بالدماء على الحيطة. وفي ذلك الوقت ينبأنا “الأصلي” أن لا صف غير صف الصلاة.
3- حمدوك الآن يطرح نفسه رجلا للمساومة – وليس هو رجل أقطع لي وأقطع ليك – بمعنى الكلمة. ولهذا يريد ألا يكون راديكاليا مثل شباب الثورة، بمعنى أنه يحبذ المساومة التاريخية الداخلية مع كتلة فضفاضة بصرف النظر عمن اقترف بعض رموزها من أخطاء حتى في الأسبوع الأخير من سقوط البشير. أما أبرز مظاهر مساومته الخارجية فأدى إلى التطبيع مع إسرائيل مقابل رفع العقوبات.
4- بنهجه البراغماتي لا يرى رئيس الوزراء غضاضة ضمن مبادرته في مساواة جلوسه أمام ممثلي الثوار أنفسهم بالجلوس مع أشخاص كانوا لآخر لحظة ضد الثوار، وذلك حتى يشترك الطيب والخبيث سويا لتحقيق نهضة البلد في حاضرها، ومستقبلها. بل إنه لم استهل لقاءاته بالطيبين حتى.
5- مبادرته تعني أنه لا يتحمل فشل وزارته الأولى التي ضمت القراي، ولا فشل وزارته الثانية التي ضمت مريم، وهذا يعني أن الفشل موضوعي وليس هو ذاتي يتعلق بطريقته في إرضاء كل الأطراف لكونه رئيس وزراء السودان، وليس رئيس وزراء الثورة التي تمهد للانتخابات التي تنجب رئيس وزراء السودان كله.
6- إعادة تجديد التفويض له ليكون على رأس وزارة ثالثة بعد توصيات يشارك فيها الاتحادي الأصل، وبالتالي من الحق أن يمنحوا جعفر الميرغني وزارة لديها علاقة بالاستيراد،و التصدير، على أن يمنحوا عبد الرحمن الصادق – إذا شملته الوثبة الجديدة – وزارة مصنوعة للفروسية. مافيش مشكلة، وكل شيء وارد عند النخبة الخرطومية!
7- لا نستبعد أن البعثة الدولية التي يستشيرها حمدوك، وتستشيره أيضا، ربما – قلت ربما – طلبت منه المبادرة، وطبعا شركاء البعثة كانوا أصلا – عبر الترويكا – يحبذون حلا وسطا يبقي على البشير. وما دام البشير قد ينتهي أمره إلى لاهاي فليس هناك مبرراً ألا يتم إحياء فكرة “الحل الشامل” بمسوغات جديدة.
8- تركيز المبادرة على تكوين المجلس التشريعي – دون الاستحقاقات الأخرى – يعني أن حمدوك يريد وزنة جديدة للبرلمان المعين تضم أعضاء لما سماها الكتلة التاريخية الانتقالية، وبالتالي تقل أغلبية المكون الثوري الأول، وننتهي إلى مجلس بلا أغلبية لا يستطيع استدعاء رئيس الوزراء، ووزراءه عند كل منعطف حاد.
9- يبدو من اللقاء مع جعفر – وليس التجمع الاتحادي برفقة الأصم أو عصمت – أن وضوح حمدوك فعلا كما قال في عمله، وليس حديثه، جميل..هذا أمر طيب. ولكن هذا العمل أحيانا يكون أفضل بعد التشاور، فربما وجد رئيس الوزراء باستشارة شعبه أولا مددا في العون.
10- لكل ما تقدم تحتاج المبادرة إلى مكاشفة الشعب بتعريف “الكتلة التاريخية الانتقالية” حتى نكون عادلين تجاه المؤتمر الوطني المحلول، لو صرنا ودودين تجاه “أبناء السادة”.
وأخيرا، وعفواً، على المستوى الشخصي أكره عدم الوضوح لدى القادة السياسيين في القضايا الداخلية المصيرية، واعتبره نقطة ضعف. واعتقد أن الشعب السوداني كله يؤيد جملتي الأخيرة.