فى الناحية الجنوبية الشرقية من العاصمة ( واشنطن دى سى)، يتصادق الفقر والناس، يزورهم وصحوهم، وفى أحلامهم تجرجر الصراصير المنهكة الجائعة، أطرافها وأقدارها زحفاً، على مسالك الحصائر المهترئة القذرة، تسبح فى الضوء الخافت، حذر ان تسحقها عقب الحديد، تحلم بأن تستعيد حياتها، فى نضارة الظلمة الحالكة، فى القبو يفح المصباح الوانا حمراء، وبنفسجية، ويضم أجساداً، أفسدت معالمها قسوة الحياة، وسخام الدخان والكحول، وبعض متع عميقة عابرة، رجال ونساء فى أفق استواء العمر، حين يوشك على الإنكسار، بشر مثلهم مثل شخوص ( ويليام توليفر)، او بعض خارجين من صور (فاندر زى )، الفوتوغرافية، او بعض سائرين خلف دكتور (كنج)، فى تظاهرات ( سلما)، أو جمع من حوارى ( مالكوم اكس)، يعبرون فى عجلة الى شارع ( لينوكس)، او بعض من عبقرية ( آنى لى)، مطبوعة على ورق صقيل.
من داخل القبو تنبعث موسيقى (Chuck Brown)، تعانق اجيالا جديدة، غيرها أجيال ،oul trains- المنطرحة على ذواتها ، اشعل فى موسيقى (القوقو) اوارا، ما شهدته فى تاريخها من قبل، عاد الى خشبة العرض ، كأبهى ما تكون العودة، سيطر على مداخل المدينة، ومخارجها، عدا فترات متقطعة وجيزة، ساد فيها ( الريقي)، وبعض من وقت، لتظاهرة الهيب هوب المتنامية باطراد، قليلا نحو الشمال.
يتلون المساء فى ( تمبل هيلز) بألوان زاهدة فى الصياح، متنافرة حتى، لا أعلم لماذا تذكرنى بصوت التون جون يغنى (Goodbye yellow brick road )، فلا المكان ولا الزمان يناسبان الصوت، واللحن، ولكنه الحزن الحقيقى، الذى يتصل بحدود الفرح، يتصبب ضحكاً ودموعاً، يطلق رصاصاً آخر الليل، مثل مشهد مكرور، من كوميديا سوداء، وضجة مستلبة، منتزعة من دهشة وخوف…
تتواصل الحياة صباح الأحد، كأن شيئا لم يكن، ثقل فى الأجساد، وأزيز فى طبلة الأذن، وزجاج خمر فارغ، ملقى على ارضية الغرفة، وأجساد نساء تالفة، تشف عن فعل تالف، ملقاة دون شفقة، دون عطف. صباح الأحد الباكر ..تنفرج الأبواب، تسدا الصمت عما وراءها، عن ثياب (كنتى)، من غطاء الرأس والسرايل الفضفاضة، وفى داخل كنيسة (ابينيزا)، تتحول افريقيا فى خطبة القس، الى فردوس بعيد، جنة مجبولة من كبرياء السواد، مجدولة الوانها من خيوط قماش الكنتى، ينادي الرجال فوق افق روحى موقوت، بعضهم بعضا بأخى، والنساء ينادين بعضهن بأختى، اربعة قرون ينتظر الجمع مركب العودة الى رهط الأشانتى واليوروبا، قضت الثاكلات حزناً، على الذين ذهبوا دون وداع، وولد للذين ذهبوا، (جى كاليفورنيا كوبر)، ( زورا نيل هيرستون)، وعمال مصانع الصلب فى ديترويت، (سيغورنر تروث)، وارث من الموسيقى، لا يجف له نبع حتى تجف بحيرات الدمع! بدا ب(هاولينغ وولف)، وانتهاء ببيونسى، ومارى جى بلايج ، كل سنى الغياب طرزت على مفاتيح البيانو ن وفاء وقرباناً، إلى آلهة النيجر، وجنون الفودوفيل، والذاكرة تنوء بآلام المسيسيبى، وانباء فناء الصفوف الأولى فى ( فيتنام)، ثم ذكرى العودة الى طرقات الغيتو الضيقة المعتمه، طرقات تموت فيها الأحلام، من قبل ان تصرخ بميلادها.
جاء (هيو ماساكيلا)، الى هذا الواقع، تصحبه ميريام ماكيبا، من واقع الفصل العنصرى فى (جوهانسبيرج)، وسكن بإلفة مع الجاز، عبر الخط الفاصل بين (سويتو) وهارلم، مقتحما بأسلوبه، مساعى مكيدة التاريخ فى طمس الهوية، وتوزيع الأدوار، موقعاً على عبقرية الزمن، فى نشر ظلال الريبة والشك، فى توافق مع الزمن، الذى ألقت فيه عصاها، ( مايا انجلو) فى جنة (نكروما)، وحينما تولى العسكر حكم (غانا)، عادت الى افريقيتها التى ولدت وتربت فى أحضانها، خلف قضبان سكك الحديد، فى امريكا، وعاد هو إلى جنوب افريقيا، حينما تولى ( مانديلا) زمام الأمور، فى أرض كنوز الملك سليمان.
يقطع (آرت بليكى) ويجزم بأنه لا علاقة للجاز بأفريقيا. ولكنه يعود ليعتذر عن خطئه الفادح. ويقطع بعض بأن التاريخ شهد ميلاد الجاز فى نواحى المغرب ومالى، ونقول نحن السودان، قبل ان يشهده فى دلتا المسيسيبى، او ميدان الكونغو بنيواورلينز. لا يعرف ( ماكوى تاينر) ، ماهيته، ولا اين ابتعث، ولكنه ينطق بلغته، حينما يغمض عينيه، و ينفخ الروح فى ساكسفونه، وكذلك يفعل عامر، حين تتلبسه حالة الخلق، مثله مثل عازف المقدمة فى لوحة ( جوزيف هولستون (Jazz at Takoma Station).
36Mohamed Yousif Wardi and 35 others16 Comments3 SharesLikeCommentShare