في حركة لا تنقصها البراعة التكتيكية، سارع أكبر تكتلين للقوى السياسية، يمثلان العمود الفقري للقوى الانتقالية، اظهار وحدته، وحدة “لا شق فيها، ولا طق”، ربما فاجأت البعض واربكت حساباتهم. كما أعلنت هذه القوى، ممثلة في تحالف قوى الحرية والتغيير، والجبهة الثورية، تأييدها لمبادرة الدكتور عبدالله حمدوك، رئيس الوزراء، والتي استهدف فيها تاشير التحديات التي تهدد المرحلة الانتقالية، بما فيها الإنقسامات في الساحة السياسية، وضرورة مواجهتها.
لربما تفاجأ المؤسس، كما يحلو لمريديه تسميته، بسرعة الاستجابة، ووحدة الموقف، الذي أبدته تلك القوى، ولربما أحبطت هذه الاستجابة العاجلة، وربما غير المتوقعة، لحد كبير، رهانات قوى الردة، خصوصا، والتي سعت حثيثا للاستثمار في تلك الإنقسامات الرأسية والافقية، داخل خندق قوى الثورة، بما يمكنها من تمرير أجندتها. ومرد ذلك، هو الانتقادات الواسعة التي ظلت تتعرض لها حكومة حمدوك من قبل الحاضنة السياسية، بالذات، وحالة الغضب التي تلهب الشارع، تحت تأثير لجان المقاومة، نتيجة سياسة حمدوك غير المتفق عليها،وبطء استجابة حكومته لمطالب المواطنين الملحة.
ما يميز الموقف المفاجئ، لما يسميه حمدوك، بالكتلة الانتقالية، هو تجديد الثقة في حمدوك نفسه، وفي حكومته، والتأييد غير المتحفظ على مبادرته، للعبور من نفق الأزمة الذي انتهت إليه الأوضاع العامة في البلاد.
ويمكن أن يعزي ذلك إلى أن تشريح الأزمة وتحديد طبيعتها بصورة عامة، وفق ماورد في نص المبادرة، وما تقترحه من حلول، هو من المعلوم بالضرورة، ومما لا ينتطح فيه عنزان.
وأيا كان الأمر، فقد قررت القوى الأساسية في تكوين الكتلة الانتقالية، المكونة لتحالف قوى الحرية والتغيير، والجبهة الثورية، في نقلة متقدمة من الرشد السياسي، التسامي، فوق الخلافات الثانوية، وقمع الشياطين التي تكمن في تفاصيل المبادرة، والانتقال إلى موقف يعبر عن أعلى مستوى من التوافق الوطني، خلال المرحلة الراهنة، والذي يعلى شان ماهو عام في رؤية مشكلات الانتقال، وسبل حلها، على الرغم من أن المبادرة استبقت اجتماعا تاريخيا، لمجلس الوزراء، يستمر لثلاثة أيام، يقيم خلالها أداء الجهاز التنفيذ، ويعيد ترتيب مهام الحكومة، بما قد يتجاوز رؤية المبادرة، مثلما ينتظر، وفق ماتردد في السوشال ميديا، أن يخرج الاجتماع، الذي يشارك فيه وكلاء الوزارات، بقرارات مهمة.
وقد استطاع هذا الموقف، الذي سبقته جهود، ممثلة، لتحالف قوى الحرية والتغيير، على طريق تعزيز وحدة قوى الثورة، شملت لقاءات مع رئيس مجلس السيادة، ونائبه، كان مقررا أن تختتم بلقاءات مع رئيس الوزراء، اجتذاب بعض القوى السياسية، التي ظلت لبعض الوقت على غير وفاق مع المجلس المركزي، لقوى الحرية والتغيير، مثل حزب المؤتمر السوداني، ومن قبل ذلك، حزب الأمة، واربكت، بالتالي، حسابات تحالف نداء السودان، وتناقضت مواقفه، التي كانت محل نقد الجبهة الثورية، فيما كشفت عزلة بعض الأطراف التي ركزت جهودها، مؤخرا، على الدعوة لإقالة حمدوك، مثل، البعث السوداني.
وبعيدا، عن مجمل التفكير في إيجاد حاضنة جديدة، من أي جهة جاء، فإن هذا التطور الدرامي، في موقف القوى الرئيسية للكتلة الانتقالية، يفرض على حمدوك تجديد التعامل معها، وفق أسس جديدة، ينتظر أن يتوافق عليها الطرفان، لإنجاز مصفوفة من المهمات الملحة، الواردة في المبادرة، تستند إلى إعادة ترتيب جذرية للأولويات برنامج الانتقال.