خلافات قيادات الثورة المدنية، الاختطافات المتعجلة من الأحزاب السياسية الباحثة عن المكاسب الذاتية باختطاف تجمع المهنيين ثم اختطاف المجلس المركزي لقحت، الاختطافات لعدد من لجان المقاومة، بالاضافة الى المحاصصات التي سادت في السلطة والابتعاد عن الالتزام بالحكومة التكنوقراطية، كلها اخطاء قادت إلى واقع سياسي متخبط انتهى إلى تكبيل القدرات المدنية وتعطيل إنجاز أهداف الثورة وضعف وتوهان في مجلس الوزراء، وغلبة وسيطرة ونفوذ متمدد للعسكر وللدولة العميقة للدرجة التي أصبح سجناء الثورة من قيادات الكيزان يتواصلون بحرية عبر التلفونات من داخل سجونهم مع كوادرهم بالخارج لوضع الخطط للانقضاض على الثورة.
مهم ان نعترف بالأخطاء لكي نصحح المسار، الاعتراف بالأخطاء لا يعني الهزيمة ولا ضياع الثورة، وإنما يعني الرجوع خطوة للوراء للانطلاق بقوة دفع أعلى، وقد تمثل مبادرة رئيس مجلس الوزراء منطلقا جيدا لو تم التعامل معها بجدية من الأحزاب التي أدمنت الاختطافات وظنت في نفسها القدرة على تغيير تاريخ السياسة السودانية عبر الممارسات الاستغلالية والهيمنة غير المبررة على الوسائل الجماعية التي بناها الجميع عبر الدماء والتضحيات.
لا نتوقع انقلابا عسكريا ولا عودة للكيزان، فهذه مرحلة تخطاها الواقع وتجاوزتها الاحداث، لن يجد الكيزان تأييدا من الجماهير التي اطاحت بهم قبل سنتين بعد ملاحم تاريخية مازالت صورها وهتافاتها حية في الصدور ومازال شخوصها يمشون على الارض، ولن يجد أي انقلاب عسكري دعما لا من الداخل لا من الخارج الا من كيانات بائسة وبعض الذين انتفعوا من سلطة الإنقاذ وادخلتهم الثورة في جحورهم، وهذه فئة منبوذة لا تستطيع أن تقيم دولة ولا سلطة، ولا تتمتع باحترام الجماهير، ومن العبث تفكير البعض في هذا او المغامرة باقتحام هذه المحاولة. ولكننا بالطبع نتوقع إحباطا متصاعدا من العامة والمواطنين العاديين الذين طحنتهم الظروف الاقتصادية في ظل استمرار حالة التوهان من السلطة.
هتافات الشرطة التي حدثت بالامس جرس انذار، يمكن الاستدلال بها على وجود الكيزان داخل أجهزة الشرطة، ولكنها كذلك يمكن الاستدلال بها على وجود فوارق واقعية بين الرواتب والمنصرفات، مما يجعل حتى الشرطة تعبر عن رفضها بالاحتجاجات والهتافات. تنظيف الشرطة من التمكين مهمة وزير الداخلية وقد لمس بالأمس ما يمكن أن يفعله التمكين، كذلك من مهام وزير الداخلية تخفيف عبء الواقع الاقتصادي على موظفيه حتى لا يستغلهم اعداء الثورة، وهي مهام جميع الوزراء ومهام الحكومة عامة بالعمل على تقليل عبء الواقع الاقتصادي على جميع الشعب، وإلا فإن الاحباط سيتصاعد وسيقود إلى انسداد كامل في الأفق السياسي.
الثورة ماضية وستصل غايتها في إقامة النظام الديمقراطي بكل الطرق الممكنة ولن تنتكس إلى حكم استبدادي جديد، وعليه فإن السلطة التي يتمتع بها البعض الآن ليست شيكا على بياض، ليست منحة مجانية، وانما تكليف يمكن نزعه متى ما أنسد الافق وفشلوا في العبور بالثورة، ليس هناك خط احمر امام الثورة لاصلاح الأوضاع، حتى ولو أدى ذلك إلى تراجع الأحزاب السياسية عن المناصب وتنصيب حكومة تكنوقراط كاملة الدسم، او حتى لو أدى ذلك الى حل الحكومة وتنصيب حكومة تصريف أعمال تقود البلاد نحو الانتخابات، كل الحلول مازالت موجودة في حوزة الثوار وجميعها طرق تقود الثورة إلى روما الحكم الديمقراطي المرتقب.
يوسف السندي
sondy25@gmail.com