يكمن السر في نجاح تغيير الوضع الراهن في الإلمام بمواطن الخلل ووضع العلاجات الناجعة له، والصبر عليه حتى يلتئم ويتعافى، ومن ثم رسم الخطط السليمة لبلوغ الأهداف المستقبلية. وهنا يجب علينا أن نرفع القبعات، ونشيد بجهود معالي وزير النقل والبنية التحتية ميرغني موسى حمد الذي أظهرت وزارته جدّية ملموسة في الأداء تمثلت بصيانة بعض الطرق الرئيسة وإعادة ترميمها، وابتدع معاليه تشكيل مجلس استشاري لوزارته من المتطوعين “أصحاب الخبرات الواسعة والعقول النيِّرة ممن شرَّدتهم الإنقاذ في شتى بقاع المعمورة” للإسهام في وضع الخطط والإستراتيجيات لتطوير وسائل النقل وعمل دراساتٍ ترتقي بها إلى مصاف العالمية، نتج عنها توقيع شركة (لوفتهانزا) الألمانية الاستشارية ذات الصيت الذائع (كبيت خبرة أصيل) عقداً مع الناقل الوطني (سودانير) لإعادة تأهيلها بعدما تعرضت للتدمير الممنهج والنهب والبيع من قِبَل عصابة الجبهة البغيضة، وكذلك توقيع هيئة الموانئ البحرية السودانية اتفاقية مع شركة ميناء هامبورج الاستشارية الألمانية لرفع كفاءة الأداء في محطة الحاويات بالميناء الجنوبي، وتأهيل وتطوير آليات العمل بميناء بورتسودان ككل، ونتمنى أن تحذو بقية الوزارات حذو وزارته، لا سيما الصناعة والتجارة والاقتصاد والمالية لتتحوّل الحكومة “فعلياً” لحكومة كفاءات تسهم بشكل فعّال في تحجيم ممارسات الأحزاب السالبة، وانشغالها بالمحاصصات والصراعات المحمومة من أجل تأمين المناصب لمنتسبيها دون النظر لما سيتستفيده الوطن والمواطن من تعيينهم وشغلهم لها دون أن يضيفوا لها أي جديد.
وعلى سياقٍ متصل، أطلق دولة رئيس الوزراء مبادرةً جديرةً بالاحترام تناولت وصفات مُميَّزة لأهم القضايا الشائكة وتحديات هذه المرحلة المُلِحَّة من عمر الحكومة الإنتقالية، ضمن التفاف الحد الأدنى من الوطنيين الشرفاء حولها للعمل على إنجاحها، حتى نجني ثمارها استقراراً ونموّاً وازدهاراً.. ونُثمّن عالياً جهوده الكريمة التي أسهمت بشكلٍ مباشر في إخراج السودان من قائمة الدول الراعية للإرهاب، ثم نجاح مؤتمر باريس لا سيما بعد انضمام السودان رسمياً (للهيبك) وموافقة المجلس التنفيذي لصندوق النقد الدولي على ذلك، حيث اتخذ قراره بعد زيارة ممثليه التفقدية خلال الشهر الجاري للبلاد للوقوف على جدية الخطوات المتخذة من السودان حيال تحقيق متطلبات ذلك، وعليه، فإن الديون البالغة زهاء 60 مليار دولار التي ورثتها حكومة الثورة من حكومة اللصوص البائدة ستتلاشى تماماً، وسينتعش اقتصادنا الوطني بشكل تدريجي ليبلغ عافيته بحلول العام 2024م حسب تقارير دولية وإحصائيات لما تتخذه الحكومة الحالية من تدابير.. كل ذلك بالإضافة إلى المبادرات المطروحة لإعانة شرائح الشعب المختلفة مثل (ثمرات، وسلعتي) ووضع اللبنات الأولى لتطبيق فكرة الجمعيات التعاونية وإنزالها على أرض الواقع في العاصمة والأقاليم. اضف الى ذلك ضخ مبلغ 400 مليون دولار لإعادة تأهيل مشروع الجزيرة الذي طالته يد الدمار كغيره من المشاريع الحيوية، مما يدعونا إلى التفاؤل والارتياح وتقديم الثناء لكل من يبذل العطاء في سبيل رفعة وتقدم وطن الشموخ والإباء.
لابد لنا من وقفة تليق بذكرى يوم 30 يونيو 2019م، ذلك اليوم المفصلي الأغر، الذي قلب فيه هذا الشعب المصادم موازين القوىٰ بمليونيته الهادرة وهبَّته العظيمة محبطاً أفشل محاولة إنقلاب بائسة حينما أعلن رئيس المجلس العسكري حينها عن وقف المفاوضات مع (قحت)، وأفصح عن عزمه قيام الإنتخابات العامة بعد ستة أشهر فقط، ظنَّاً منه ومن اعتقد من زمرته بأن مجزرة فض الإعتصام المشؤومة كانت بمثابة القضاء على هذه الثورة الظافرة ومحو آثارها. لذا يحق لنا أن نفاخر بهذا اليوم الذي أصبح فتحاً وانتصاراً لشعب السودان الثائر في وجه الطغاة المتجبِّرين، ويوم شؤمٍ وخيبة لكل من ناصَر تلك العصابة التي قتلت وروّعت وهدمت رفعة وتقدم بلادنا الحبيبة لإشباع أطماع زبانيتها الشخصية والحزبية، ومخالفتهم المخزية لكافة الشرائع السماوية والقيم الإنسانية والأخلاقية.. ولن ينسى هذا الشعب السلمي ما اقترفوه من جرائم تعجز قواميس اللغة عن وصفها، وسيذكر التاريخ في كل عام سقوط مشروعهم الحضاري، ووقوعهم الواحد تلو الآخر تحت طائلة العقاب الدنيوي قبل العذاب الذي ينتظرهم في الآخرة بسبب وحشية سياساتهم وتدميرهم البائن لكل مرافق الدولة وإهانة شعبها وإذلاله، بعد إقصائهم لكل من لا ينتمي لفكرهم الضال وتنظيمهم الشيطاني.. ولولا تلك السلمية والخلق النبيل الذي يتمتع به شعبنا الكريم، لما بقي من هؤلاء الأراذل أحداً على قيد الحياة.. ويكفي أنهم باتوا منبوذين اجتماعياً، وما كشفته مؤخراً لجنة إزالة التمكين حول القبض على جوالات داخل السجن مع قياداتهم، وربطهم بشبكة داخل وخارج السودان تقوم بنشر الشائعات والأكاذيب وتحرّض على القيام بأعمال تخريبية في الثلاثين من يونيو وإطلاقهم لحملة (اختونا) زعماً بأنها نابعة من الثوّار، هذا غير تورطهم في الدعم المادي واللوجستي للعديد من كوادرهم.. لذلك وجب علينا تنبيه رجال المقاومة الأشاوس على توخي اليقظة والحذر من هذه المخططات التي لن تهز شعرة من مكتسبات ثورتنا ووعي جماهيرنا الذي أصبحنا نراهن عليه.
ختاماً، أعود وأذكِّر هؤلاء ومن يردِّد أقوالهم ويحاول أن يخلق مقارنات بين عهدهم المظلم وعهد حكومة الثورة بكل نواقصها والمعيقات التي تجابهها بأنكم كُشفتم على حقيقتكم مهما تلوّنتم بأسماء أخرى لتنظيماتٍ جديدة، واخترتم لهجة حوارٍ تظنون أنها ستخدع الشعب وترونها عنواناً للتسامح ودعوةً لمبدأ عفا اللّٰه عمَّا سلف، نقول لكم (لا تسامُح مع مغتصبٍ أرهب شعبنا واستحل أراضينا وبتر جزءً عزيزاً من أرضنا بعد أن خاض فيها معارك في غير معترك أفنى فيها أعمار شبابٍ غضٍ لا ذنب لهم.. وبيننا وبينكم القصاص).. وبرغم ذلك لا يزال وطننا الجميل موعودٌ بالمستقبل الأجمل والأروع بانجلائهم وفضحهم وكل أذيالهم ومن يرتزق بقذاراتهم التي تأصّلت فيهم قاتلهم اللّٰه.. وإلى الأمام.
م. أكرم عمر
29 يونيو 2021م