انتهت مواكب الثلاثين من يونيو بدون أحداث كبيرة يمكن النظر إليها على أنها أحداث فارقة يمكن أن تحدث تغييرا في الواقع على الأرض او في الفضاء السياسي، فالمواكب التي خرجت كانت متضاربة الشعارات، مشتتة الأهداف، لا تقودها جهة واحدة وإنما تحركها عشرات الجهات المختلفة التي تختلف في كل شيء، لذلك رغم الضجة الكبيرة التي صاحبتها فشلت مواكب الامس بل يمكن وصفها بانها من أفشل المواكب في تاريخ التظاهرات منذ ١٩ ديسمبر ٢٠١٨ في تحقيق الاهداف، وهذه الحقيقة تثبت أن الشعب السوداني لم يصل بعد لنقطة الرفض للحكومة الانتقالية وانه مازال يتعشم فيها ما لا يجده في معارضييها من الكيزان والشيوعيين.
الرسائل التي أوصلها فشل مواكب الأمس متنوعة، وأولها التي أرسلت في بريد الكيزان، وفحواها ان هذا الشعب قد (رمى طوبتهم) وخيارهم الوحيد ان أرادوا العودة للحياة السياسية ان يمارسوا نقدا ذاتيا ويعتذروا للشعب السوداني عن انقلاب الإنقاذ وما جراه على البلاد من ماسي. هذا غير أن الحكومة الراهنة لديها أنياب وليست (هينة ولا لينة) فالضربات المبكرة التي نفذتها لجنة ازالة التمكين والشرطة لمقرات سكن الفلول كانت حاسمة وهي التي ربما أثرت بشكل مباشر على تجمعات الفلول وعدم فاعليتها، وقد ظهر في الصور المتداولة عبر الوسائط للموقوفين عددا من قيادات الكيزان المعروفين من الصف الثاني، وهو ما منع التشكيك في صحة هذه الاعتقالات وفي حقيقة ان المعتقلين من الكيزان، والجميع يعلم أن حزب المؤتمر الوطني بنص القانون حزب محلول ولا يحق له العمل السياسي خلال الفترة الانتقالية وبالتالي لا يمكن الطعن في قانونية اعتقال الكيزان الذين خرجوا تحت بيانات صريحة وواضحة من حزبهم المحلول داعية للخروج لإسقاط الحكومة الانتقالية.
الرسالة الثانية كانت للحزب الشيوعي، وفحواها ان الشعب السوداني لن يسمح لأي جهة باستغلاله من أجل تنفيذ أجندة حزبية ذاتية ضيقة لا علاقة لها بالوطن، فالشعارات والاهداف التي وضعها الحزب ودعا جماهيره وجماهير الشعب السوداني للخروج تحتها من شاكلة شعار (لن يحكمنا البنك الدولي) فهي شعارات ايدولوجية تشابه تماما شعارات الكيزان أيام حكمهم، وهي شعارات يكرهها الشعب لأنها تذكره بسيء الذكر المخلوع الذي كلما صعد منبرا هتف لن يحكمنا البنك الدولي، وكأن البنك الدولي نفذ انقلابا عبر دبابة واحتل القيادة العامة ويشغل رئيسه محل رئيس وزراء السودان، هذه المفاهيم الايدولوجية اسقطها الشعب وسيسقطها مجددا حيثما وجدت، فمن أراد أن يغير سياسة اقتصادية عليه أن يفوز في الانتخابات ويطبق مفهومه الاقتصادي اذا فاز بأصوات الجماهير، أما عبر استغلال الشارع لاستلام السلطة فهذا ممنوع.
الرسالة الثالثة لشركاء السلطة ومفادها ان البلاد مازالت في احتقان وان فشل هذه المظاهرات بالامس لا يعنى عدم نجاحها في المرة القادمة ان لم تصلح الحكومة الانتقالية من هذا الواقع البائس اقتصاديا والواقع السياسي المليء بالصراع عبر توحيد كيانات الثورة من خلال إيجاد حاضنة سياسية جديدة تضم كل ألوان الطيف الثوري وتتوافق على كيفية تشكيل المجلس التشريعي والمفوضيات، هذه الخطوات ان لم تفلح في تنفيذها الحكومة خلال الثلاثة أشهر القادمة فهذا دليل انسداد افق وعجز سياسي شامل علاجه السليم هو تحويل الحكومة الراهنة إلى حكومة تصريف أعمال تعد البلاد للانتخابات العامة لتعيد السلطة لصاحبها الشعب والشعب واع وحصيف وسيختار بمحض إرادته من يثق في قيادتهم للبلاد في الفترة الديمقراطية الأولى.
يوسف السندي
sondy25@gmail.com