ظللت أصفق يداً بيد كلما طالعت خبراً أو شائعة، أو شاهدت فيديو لمن كانوا يوهمون الناس بأن يوم الثلاثين من يونيو سيكون يوم غضب حقيقي.
وبقدر ما كنت مطمئناً وواثقاً من عدم حدوث شيء من هذا القبيل، أسفت لنزوعنا المستمر للـ (الشمار)، ورغبتنا الدائمة في تداول الأخبار الضارة والمؤذية.
ولا أدري إلى متى سنظل نروج لهؤلاء القوم الضالين ونتعجل في نشر ما يريدون نشره من أكاذيب وتضليل ونساعدهم في أن يفسدوا حياتنا ويؤثروا على كل شيء فيها سلباً.
ما جعلني مطمئناً طوال الأيام الفاتي من حدوث فوضى عارمة في الثلاثين من يونيو هو إدراكي لحقيقة أن الغضب نفسه يحتاج لرجولة وشجاعة يفتقدها (المقاطيع) تماماً.
هذه كائنات لا تعرف سوى الخسة والنذالة والمؤآمرات والدسائس.
أما الخروج في وضح النهار لتسيير المواكب الجادة والمؤثرة فهذا لا يقوى عليه سوى أولئك الشباب الذين ضحوا بالغالي والنفيس من أجل تغيير جذري ما يزال بعيد المنال.
حدثوني عن يوم جاهد فيه (المقاطيع) وناضلوا وتحدوا الصعاب من أجل تحقيق مكسب من أجل هذا الوطن، حتى نتخوف من غضبهم!
كيف يغضبون وهم بلا نخوة يا عالم..!!
الأوغاد يمكن أن ينقلبوا على سلطة في ليل بهيم، أو يجندوا بعض البلهاء وضعاف النفوس وعديمي الوطنية للقيام بأعمال تخريب هنا أو هناك، أما المواجهة وتحمل الصعاب فليس من شِيَم أشباه الرجال يا سادة.
ولهذا لم أتوقع اطلاقاً أن يشهد يوم الأمس عملاً ملموساً ومواكب هادرة تمنح الانطباع برغبة السودانيين في تغيير يعيد هؤلاء السفلة لواجهة الأحداث.
مشكلتنا كانت طوال العقود الماضية مع هؤلاء الكيزان الذين يمشون بين الناس بلا ضمائر حية نعم، لكن اختلف الوضع تماماً اليوم وهذا ما وجب التركيز عليه.
مشكلتنا اليوم، بل أزمتنا مع أنفسنا ومع حكومتنا الحالية.
فقد أحدث شبابنا تغييراً جزئياً كان ثمنه غالياً جداً.
وبالرغم من ذلك لا يزال بيننا من يتباهى بأن دكتور حمدوك جعل منصب رئيس الوزراء ممكناً وأتاح مجالاً لتغيير علاقة السودان بالخارج وأفسح المجال للناس لكي يعبروا عن ما يرونه اتفاقاً أو اختلافاً مع حكومته.
والصحيح أن من جعلوا كل ذلك ممكناً هم أولئك الشهداء الأبطال الذين قدموا أرواحهم الزكية مهراً لهذا التغيير.
فعلينا أن نفهم أن التغيير جاء نتاج عمل ونضال عالي الكلفة، وأن حمدوك وبقية طاقمه ليسوا سوى خُدام لهذا الشعب الذي قدم الكثير من أجل تخليص البلد من أفظع وأقبح وأكثر العصابات اجراماً وسفالة.
ربط كل شيء بشخص واحد صار جزءاً أصيلاً من أزماتنا في هذا البلد، وهنا يكمن قصورنا كشعب يفترض أن يدرك حقيقة أنه هو صانع التغيير ولابد أن يحافظ على ما تم ويراقب عن كثب ما تقوم به الحكومة الحالية من أجل إكمال هذا التغيير المنقوص حتى يومنا هذا.
الكلام عن عدم اختزال الثورة في قطعة خبز يشبه إلى حد بعيد لغة (المفترين) الكيزان.
فالخبز والأمن والدواء والكهرباء والماء من أساسيات الحياة، ولا يمكنك أن تتوقع من شخص منهك وجائع ومريض ومهدد في أمنه أن يساهم في بناء وطنه.
لذلك إن ركزنا على سد الثغرات التي يمكن أن ينفذ منها أي كوز غبي وخائن لوطنه وأهله سيكون ذلك أفضل بكثير من تداول شائعاتهم ومساعدتهم في إطالة أمد الفوضى السائدة في البلد حالياً.
بدلاً من أهدار الوقت في أفراح زائفة وسخرية وتهكم على من لفظهم الشعب، يجب أن نجد أكثر في تقديم ما يلينا لبناء هذا الوطن.
وسد الثغرات لن يكون إلا بتوفير أساسيات الحياة.
فمن غير المنطقي أو المقبول أن نتباهى بإزالة اسم بلدنا من قوائم الإرهاب وغيرها، أو التنازل عن ديون بقيمة كذا في وقت يحدثك فيه الناس كل يوم عن هجمات عصابات النيقرز على المواطنين الأبرياء في قلب الأسواق ووضح النهار.
علينا أن نكون أكثر صرامة في مراقبة ومحاسبة هذه الحكومة ودفعها على أداء واجبها تجاه البلد، وإلا فسوف نهدر المزيد من الوقت في الفارغة والمقدودة وسنصبح كمن ينتظرون ساعة ضياع وطن بأكمله حتى يعضون أصابع الندم بعد فوات الأوان.