كان مؤتمر البجا احد فصائل التجمع الوطني الديمقراطي التي قاتلت الانقاذ في التسعينيات، وكان جيشه من بين أكثر الجيوش عددا داخل التجمع، ويعرف الجميع مشاركته في معركة همشكوريب في عام ٢٠٠٠، هذا غير عملياته النوعية التي استهدفت قطع طريق الشرق. في ٢٠٠٥ وقع جون قرنق وحركته أتفاقية السلام مع الانقاذ، وفي العام نفسه وقع التجمع الوطني الديمقراطي اتفاقا منفصلا مع الانقاذ في القاهرة، بيد أن مؤتمر البجا رفض المشاركة في اتفاقية القاهرة متهما حلفاءه بابعاده عن التفاوض وعدم الاهتمام بقضايا شرق السودان، انضم إليه في ذلك فصيل الأسود الحرة بقيادة مبارك مبروك سليم (فصيل الرشايدة)، وكونوا مع بعض ما يعرف ب(جبهة الشرق). لاحقا فاوضت جبهة الشرق منفردة الإنقاذ ووقعت معها في ارتريا في عام ٢٠٠٦ اتفاقية اسمرا التي سميت باتفاقية سلام شرق السودان.
كالعادة لم تنفذ الإنقاذ اتفاق سلام شرق السودان وخاصة بروتكول تنمية شرق السودان او ما سمي بصندوق أعمار الشرق، فالإنقاذ لم تكن توقع الاتفاقيات من أجل خدمة أهل السودان وإنما من أجل تفتيتهم وتمزيقهم ونسف اي مقاومة تواجهها، وهذا ما حدث، حيث مزقت الإنقاذ فصائل الشرق ولم تنفذ بنود التنمية، وظل شرق السودان حتى اليوم يعاني ويشكو من الفقر والجهل والإهمال.
بعد الثورة ظهرت الجبهة الثورية والتي ضمت فصيلين من شرق السودان هما الجبهة الشعبية المتحدة للتحرير والعدالة ومؤتمر البجا المعارض، وقعت الجبهة الثورية مع الحكومة الانتقالية اتفاقية جوبا للسلام والتي حوت ما يعرف باتفاق مسار الشرق. تم رفض اتفاق مسار الشرق من قبل فصائل من البجا تسمى (المجلس الأعلى لنظارات البجا) بقيادة الناظر ترك، ومن هنا بدأ الاحتقان، حيث رفض الناظر ترك ومجلسه تعيين والي كسلا المعين بناءا على اتفاق مسار السرق، وحدثت احداث متعددة في الشرق راح ضحيتها العشرات، ثم رفض المجلس (كما تفيد التسريبات) تعيين الأستاذ أسامة سعيد ممثل الشرق في اتفاق جوبا في منصب وزير التربية والتعليم بالحكومة، المنصب الذي مازال مجمدا حتى الان.
في يناير ٢٠٠٥ قام البجا بتسيير موكب مطلبي في بورتسودان واجهته حكومة الانقاذ بقمع رهيب ادى الى مقتل قرابة ال ٣٠ مواطن وجرح العشرات واعتقال المئات، وبعدها بفترة قصيرة بدأت الإنقاذ مفاوضة جبهة الشرق ووقعت معها اتفاقية شرق السودان، استخدمت الإنقاذ العنف ضد احتجاجات البجا، وهذا كان منسجما مع طبيعة ان الإنقاذ دولة بوليسية لا تحكمها أخلاق ولا ضمير، بينما لا يمكن أن تواجه الحكومة الانتقالية الناظر ترك ومجموعته بالطريقة الانقاذية العنيفة، فالطريق السياسي والدبلوماسي هو الأمثل والافضل.
اتفاق مسار الشرق ضمن اتفاقية جوبا للسلام نص على قيام مؤتمر تشاوري لأهل الشرق، وخصص ٧٠% من سلطة المسار لأهل المصلحة الذين يشاركون في هذا المؤتمر و ٣٠% منها للفصيلين الموقعين باسم الشرق على الاتفاق وهما الجبهة الشعبية المتحدة للتحرير والعدالة ومؤتمر البجا المعارض، قد يكون هذا المؤتمر التشاوري ورقة الحل اذا سعت الحكومة الانتقالية لمعالجة أزمة الشرق بجدية وحكمة قبل أن تتفاقم، ورغم أن المسار حدد لهذا المؤتمر ان يكون مؤتمرا تشاوريا فقط، إلا إن فتح المؤتمر لاضافة بعض البنود لاتفاقية مسار الشرق لارضاء جميع اهل الشرق واحداث التوافق بينهم وفاءا لتاريخهم القديم والجديد في مقارعة الشمولية لن يكون ثمنا باهظا، خاصة وان معالجة هذه القضية أصبحت أولوية بعد ان بدأت تستغلها بعض جيوب وفلول النظام البائد.
يوسف السندي
sondy25@gmail.com