في البدء لابد لي من شكر حمدوك في هذه المناسبة فقد خرج من صمت مريب في وقت مناسب. لم أعد أعتبر حمدوك ضعيفاً ولكنه رجل طيب وكريم ومجامل لذلك تنازل عن صلاحياته تدريجياً للئام وبالتأكيد لن ترجع له. لذلك خرج بالمبادرة والعادة المبادرات لا تأتي من رئيس الوزراء لأنه تنفيذي وكنا نريد أن نسمع قرارات وأوامر صارمة وقاطعة.
1-في المستهل لابد أن أعلن اختلافي معه حول تشخيص الواقع، فالأزمة ليست سياسية بل هي أزمة أخلاقية وثقافية. فالمشهد السياسي السوداني تحول إلى سيرك كبير احتلته القردة والنسانيس والثعالب والضباع. فاللاعبون الآن ممن نسميهم “سياسيين” تنقصهم الجدية والصدق والضمير الحي وبالتأكيد الوطنية فهم يتسابقون ويتبارزون حول مصالح حزبية وامتيازات ذاتية وقامت أحزابهم كآليات لتحقيق تلك المكاسب الأنانية ولا مكان للمواطن السوداني في برامجهم الحزبية أو في أفكارهم (إن وجدت)، فالحزبان الكبيران اللذان يهددان بالانتخابات المبكرة ما هي برامجهم الانتخابية؟ وما هي الأيديولوجية التي يمثلونها؟ فقد توقف الحزب الاتحادي عند مطلب وحدة وادي النيل أو الاتحاد مع مصر. كما توقف حزب الأمة عند شعار الاستقلال والذي كان يعني الانضمام للكومنويلث نكاية بمصر. ولن يجد المواطن السوداني أي ذكر للتنمية أو الوحدة الوطنية والسلام وقومية الوطن في أفكارهم. والحزبان لا يملكان أي إمكانيات مادية أو بشرية للانتخابات. فحزب الأمة الذي فاز بـ 33 دائرة في دارفور عن دوائره الـ 101 لن يفوز بـ 3 دوائر في دارفور مع الأوضاع الراهنة. أما الحزب الاتحادي فنحن أمام اتحاد لكرة القدم يعج بالفصائل والأتيام ذات المسميات، مثل الأصل والفرع، فهناك 10 فصائل كما ورد في اللقاء الأخير لبحث الوحدة الاتحادية أو لم الشمل. وفي مثل هذه الظروف تعود ظاهرة مبارك الفاضل المهدي رائد الفساد والمحسوبية في وزارة التجارة رغم أنف الديمقراطية الثالثة. وبكل جرأة ينتقد مبارك مساعد رئيس الجمهورية الأسبق أداء قوى الحرية والتغيير. ويشاركه في الجرأة مساعد رئيس الجمهورية الأسبق الآخر مني أركوي الذي يدعو للمصالحة الوطنية اعترافاً بفضلهم عليه أثناء الفترة التي كان فيها مع الفلول في السلطة.
وأنا هنا أطالب ليس بمحاكمة الانقلابيين فقط بل محاكمة كل من شارك في سلطة حكم الإخوان منذ يونيو 1989 وحتى سقوط النظام. مهما كانت مبررات تلك المشاركة فكل من أدى قسماً أمام البشير في القصر الجمهوري فقد ساهم في استمرار سلطة الإسلامويين وطول عمرها.
هذا مطلب شعبي لكي لا يتحول دعاة الهبوط الناعم والمصالحة الوطنية إلى ثوار وقادة في المرحلة الانتقالية، هذا سقوط أخلاقي وليس أزمة سياسية فقط.
ويجب ألا نتعامل مع التاريخ باستخفاف ولا جدية لابد من المساءلة والمحاسبة والعقاب.
تسلق إلى سلطة المرحلة الانتقالية أعداد من الانتهازيين مستغلين الفراغ السياسي وملأ الحواة والمهرجون الساحة كأفراد أو أحزاب كرتونية لا تملك فكراً ولا شعبية.
هذه ليست أزمة سياسية يا حمدوك بل أزمة أخلاقية فهذه قوى سياسية لا تعرف قدر نفسها وترى نفسها في مرآة محدودبة تضخم من حجمها الحقيقي.
عليك يا سيدي البدء بإبعاد أصدقاء السوء كل المدعين والحواة، ونعذرك لأنك كنت بعيداً عن السودان بينما نجح الإسلامويون في إعادة صياغة كثيرين، تعلموا منهم النفاق والكذب والادعاء والوقاحة، من البديهي أنه لا ديمقراطية بلا أحزاب ولكننا نريد أحزاباً ديمقراطية حقيقية وحديثة ليست قائمة على الطائفية ولا الأسس الدينية ولا القبلية أو الجهوية
2-المطلوب من حمدوك تقوية وتمكين لجنة إزالة التمكين، والدفاع عنها ومنع أي هجوم أو تشكيك في دورها.
3-تطهير القضاء ووزارة الخارجية والتعليم العالي والإعلام.
4- الرقابة على الأسعار وأن تكون لوزارة المالية الولاية على المال العام وكل التصدير والقروض.
5-انتهاج سياسة خارجية تؤكد السيادة الوطنية ودور السودان في الإقليم كجسر عربي أفريقي.
6- مراجعة اتفاقية جوبا للسلام مع تأكيد البعد القومي للوطن بلا جهويات ومسارات وسد منافذ تسرب الانتهازيين والمتسلقين المدعين تمثيل الأقاليم المختلفة زوراً.
من ناحية أخرى. المطلوب ليس العودة إلى منصة التأسيس بل أن تكتب قوى الثورة تاريخاً جديداً للوطن. يحدد مثل مصطلح ما قبل الميلاد وما بعده أي ما قبل ثورة ديسمبر المجيدة وما بعدها، باعتبار أن ما سبقها جاهلية سياسية وعبث فكري وعلينا أن ننسى القديم برمته الذي أوصلنا إلى الحالة الراهنة، وعلينا ألا نردد: اللي نسي قديمه تاه! فهذا قديم يجرنا إلى الخلف ولم نتعلم منه عبرةً ولا درساً ولا حكمة.
الثورة فعل مستقبلي ومتفائل ونختم بقول ناظم حكمت:
أجمل أطفالنا لم يولد بعد
أجمل أيامنا لم يأت بعد
وعلينا أن نبدأ في صياغة مشروع سوداني وطني حديث يهتدي به الجميع، ولتكن هذه المبادرة اللبنة الأولى للمشروع.
وعلى الثوار أن يسقطوا من قواميسهم تعبيرات مثل الإحباط وخيبة الأمل والفشل، فهذا ما يريد زرعه في الشباب تحالف الطائفية والعسكر والإخوان.
تقدم يا حمدوك ونحن معك وليس خلفك، شرط الصحوة والحزم والحسم والالتحام مع الشعب وتمسك بحاضنتك السياسية “ق ح ت” بعد إصلاح نفسها ولا يفرض عليها أي إصلاح من خارجها لأنه كلمة حق يراد بها باطل وتآمر.