أستعير هذا العنوان من عنوان كتاب ” حرائق السافنا ” للاخ د. حامد البشير المكلف الآن بشئون ولاية جنوب كردفان .. ذلك الكتاب الذي تناول فيه عبر عدة مقالات متنوعة وتحاليل للحروب والحرائف التي اجتاحت و دارت في ولاية دارفور الكبرى والمآسي والمرارات التي عاشها اهل المنطقة من قتل وحرق للقرى اضطرت الكثيرين لترك قراهم وحواكيرهم ليكون ملاذهم الآمن معسكرات النازحين في اطراف المدن واللاجئين في دول الجوار وتلك مآساة القرن ، بما ارتكب فيها من فظائع في حق الانسانية.
جنوب وغرب كردفان كانتا ميدان حرب بين الحكومة والحركة الشعبية لثلاثة عقود دون منتصر أو مهزوم ، انقسمت فيها المنطقة بشكل طولي لثلاث مناطق جغرافية . فالمنطقة المنطقة الوسطى والتي عرفت بما يسمى بالمناطق المحررة وهي تتبع للحركة الشعبية وتمتد من الحدود مع دولة جنوب السودان عند ولاية الوحدة عبر شريط جغرافي من الأراضي حتى حدود الفاصل الرملي شمالا المسمى بالقوز وأكبر مدنها كاودا/ ام دورين / تبانجا
اما الجزء الغربي من الولاية ففية تتواجد الحكومة ومكونات سكانية من المسيرية بفرعيهما الزرق والحمر وكذلك قبائل حمر والنوبة وقبائل اخرى. ورغم حدوث مواجهات عديدة داخليا في مراحل مختلفة وخاصة عند نشوب النزاع حول منطقة “ابي” في أعقاب اتفاقية نيفاشا المائلة التي تبضعت فيها الحركة الشعبية وخرجت بمكاسب لها وتركت للنوبة والشمال قنبلتين سميت بالمشورة الشعبية دون أي توصيف دقيق لها ليكون تفسيرها فيما بعد سببا لخلاف غزته ممارسات الفساد السياسي في الانتخابات لاختيار والي الولاية فيما عرف ” بالكتمة والنجمة”.
أما الشريط الجغرافي الثالث فهو امتد من الحدود مع منطقة أعالي النيل في الجنوب محازيا الأراضي التي تحت سيطرة الحركة الشعبية من الجهة الشرقية. وفي هذه المنطقة جمعت المصائب بين العديد من المكونات السكانية والقارئ يتذكر أحداث القردود ام ردمي من ضواحي تلودي الي قتلت فيها الحركة الشعبية في شهر رمضان ١٩٨٥ أكثر من مائة شخص وقواتها تتغني مفتخرة بانتصاراتها في وجه سكان عزل أبرياء ليس لهم من الخرطوم التي تحاربها الحركة شئ. بل توزع ضحايا الحركة الشعبية في هذه المناطق فكان في كل قرية ومدينة وفريق ضحايا.
اسر اهل هذا المناطق فظائع الحركة الشعبية في أنفسهم فحاربوها حربا لا هوادة فيها متحدين في وجهها ومدعومين من الحكومة من خلال تكوينات الدفاع الشعبي ، فخسرت الحركة الشعبية المنطقة باكملها ولم تستطع أن تجد فيها موقع قدم. فكانت تلودي الصامدة والليري العصية وكلوقي وابوجبيهه وقراها وفرقانها المنتشرة من قبائل تلودي /الحوازمة / كنانة / كواهله / كنانة / لوقان وقبائل الهوسا وبرنو سدا منيعا ومتعايشين مع بعضهم لا يفسد بينهم شيئا ..
كانت الادارات الأهلية لهذه القبائل تقوم بدور تنسيقي لمعالجة اي طوارئ فاستقر الحال لبعض الوقت .
ان التحولات المستجدة هذه الايام في المنطقة ودخول عنصر الشباب الذي لا يحمل معه من إرث العلاقات التاريخية بين قبائل المنطقة والمسنودة باحلاف وأعراف حاكمة لهذه العلاقات البينية قد أضعف من العلاقات بين هذه المكونات الاجتماعية والتعايش السلمي، مع دخول الصراع حول الموارد كعامل مستجد وخاصة في مسألة موارد المياة ومواقع التعدين. كل هذه العوامل مجتمعة قد إثارت نعرات واوجدت ثقافات عصبية جديدة كانت غير موجودة .فبدأ الرحل يفكرون في الاستقرار والزراعة وتملك الأرض بينما آخرون من اهل المنطقة يرون أن ليس لهم حق في ذلك في أراضي استوطنونها لسنين. فبدأت الخلافات التي تعدت الإدارات الأهلية الى محاكم غير مسنودة بسلطات وصلاحيات حاسمة ولا حضور لهيبة الدولة. ومن ثم ظلت قرارات المحاكم لا تحترم بل أخذ الكثيرين تنفيذ القانون بأيديهم وعدم الانصياع للإدارات الأهلية ولا السلطات المحلية ..
صراع منطقة منطقة الحميض/ الشبكة بين الحوازمة دار على وكنانة العريفاب بمحلية قدير كان محفزه والاول والأساسي تملك مناجم لتعدين الذهب. نعم بدأ بسيطا بين أفراد من كنانة العريفاب والحوازمة دار على اثر قتل واحد من الحوازمة دار لخلاف حول حفر بئر يدعى كنانة ملكية ارضها ثم حدث تطور وتناصر من الطرفين ومواجهات مسلحة فقدت فيها أرواح عزيزة.
لعبت الادارة الاهلية لقبيلة ولاد دورا محوريا في احتواء الخلاف لحضورهم المبكر في ميدان قتال العام الماضي للفصل بين الطرفين. ثم توالت وفود الحوازمة عبدالعال برئاسة الناظر بقادي محمد حماد وامارة تلودي التي دخلت بثقلها وكانت الأكثر قبولا وسط المتنازعين. هذا إضافة إلى ناظر الكواهلة عبدالله قدوم الذي شهد له الكثيرين بحكمته ومحاولته معالجة هذه الخلافات باليدين لا بالسنان خاصة أن مجموعة الحوازمة دار على وبعض من كنانه يتبعون لنظارته اداريا ، وفي ذات الوقت يتمتع الرجل بعلاقات طيبة مع كنانة والحوازمة ومكونات المنطقة من لوقان وغيرهم. لكن أحيانا الشر يغلب .وتعرض في شخصه لضغوط وصلت حد التهديد من الطرفين لمواقفه التصالحية والناصحة فوقف مكتوف اليدين.
منطقة قدير مع تزايد الوافدين للتعدين من داخل الولاية وخارجها أصبحت مركزا لتجمعات غير منضبطة وان الانتظار طويلا دون الحصول على صيد الذهب يجعل البعض يستعيض عن ذلك باختصار طريق الكسب في الاتجاه النهب المسلح وقطع الطريق على التجار العابرين والأفراد المسافرين فيكون فعلهم سلبا ونهبا وقتل ارواح بريئة وينتهي تعقب الأثر في قرية أو فريق فتحدث المواجهات وتتطور.
عندما قلنا في بداية المقال أن حرائق السافنا آخذة في الاتساع وهنا نعني توسع تحالفات الاصطفاف في مواجهة بعض. حيث بدأ واضحا انقسام مكونات المنطقة وتصاعد الخلاف. وإن الأمر قد تجاوز كنانه / الحوازمة في المنطقة إلى امتدادات أخرى عبر بيانات عابرة للولايات تتبادل الاتهام والتجريم وهذا امر مزعج جدا.
عند تحليل بعض البيانات لا أجد لها تفسيرا إلا كونها فساد دس من اجل الفتنة وتضخيم يحمله الاثير . لاني على قناعة أن حكمة قيادات الحوازمة الأهلية والذين عرفوا بحكماء العرب قطعا لن تسمح بالتصعيد ألذي يعني خراب الديار . وفي ذات الوقت عندما اعرف ان الطرف الآخر هم الكواهلة و كنانة أشعر بالطمأنينة.. فالكواهلة وكنانه بتاريخهم المشرف على مستوى السودان سوف لن يسمحوا لمنطقة مثل جنوب كردفان هم لهم فيها حضور الدخول في مهاترات ومغالطات واتهامات وتجريم في بيانات اسفيرية .. فهذه القبائل لها ارثها في معالجة أخطر القضايا وكفيلين بأن يجدوا الحلول لاعقد مشاكل السودان القبلية. وعند ابوابهم يتزاحم الآخرين طلبا للحل لا قدر الله، ولن يغلبهم معالجة ذلك بالحكمة حفاظا على دماء أبناء الوطن الغالية.
من رأي كما كان رأي البعض من قبل على قيادات هذه القبائل حوازمة / كنانة / كواهلة / لوقان الامتناع أو تبني بيانات قد توغر الصدور وتضعف دورهم في الوساطة .. بل العشم أن يجلسوا مع طرفي الخلاف ويفرضوا عليهم الحلول .وفي ذلك فهم بحاجة لحضور الدولة وأجهزتها الأمنية بقوة وبصلاحيات واسعة لتنفيذ ما يتوافق عليه .. لأن وقوف قيادات كبيرة عرفت بالحكمة وسديد الرأي خلف المناصرة العصبية سوف يرهن الحل لخبار واحد هو اما منتصر واو مغلوب وهذه عمره لن يؤسس لحل عادل مستدام. وإني لاشك وبقناعة كاملة ان يكون ما قرأته من بيانات صادر من قبائل وازنة مثل كنانة أو الكواهلة والحمد لله انه حتى الآن لم نقرأ أي بيان من نظارات الحوازمة وإن ما صدر مجرد تفاعلات من اتحادات قبلية دون النظارات .
وفي الختام ندعو للجرحى في كلا الطرفين بعاجل الشفاء وللقتلى بالرحمة والقبول ولذويهم بالصر وحسن العزاء ..اللهم احفظ بلادنا وأهلنا من الفتن واحقن دمائهم و الامل أن يكبح المستنيرين تصاعد التعبئة القبلية والتناصر العابر للولايات من كنانة والكواهلة والعطاوة وامتداداتهم ..
التحية لإمارة تقلي وشبابها الخلص الذين بذلوا كل جهد ممكن وما زال حراكهم حتى نهار وليل امس الخميس مستمرا بين الاهل في محلية قدير وابو جبيهه لاحتواء الوضع بل التحية لإمارة ولاد حميد وتلودي و التي ننتظر منها الكثير ..وهل يعجز أستاذنا الجليل عبد النبي موسى أمير لوقان في إدارة الأزمة فيما يليه .. وبل الأمل بعد الله في في قيادات اهلنا الحوازمة/ الكواهلة /كنانة العريفاب/لوقان بتحري ضبط النفس وان يقودوا الراي العام بالحكمة ولا يقودهم العامة بالعصبية. فالخراب هين والسلام يحتاج لسعة صدر وحكمة ونسأل الله أن يجنبنا الفتن ويكلل مساعي اصلاح ذات البين المتعددة القادمة من غرب كردفان وشمال كردفان بالنجاح والتوفيق…