حلول عاجلة طرحها خبراء في الاقتصاد ومراقبين لحالة التصاعد المستمر للدولار الامريكي مقابل الجنيه السوداني ، اول الحلول اصدار سياسات تقلل او تخفض من الطلب على الدولار ومصادرة اموال وثروات من يضاربون في العملات الحرة ومصادرة الاموال مجهولة المصدر لصالح الحكومة.
وقد اصابت الدولار حالة تصاعد غير مسبوقة امام تدهور مرعب للجنيه السوداني ، ارتفعت وتيرة التصاعد بشكل مستمر ومتسارع وغريب مما اسهم في تدهور الوضع الاقتصادي والمعيشي للسودان والسكان كافة ، فرضيات كثيرة حاول الخبراء تفسيرها وتحليها لمعرفة ما وراء العلة ، وامكانية استعادة هيبة الجنيه مجددا ، وهل هو ارتفاع مؤقت ام انه سوف يستمر .. واليكم التشخيص
بوادر الازمة
بحسب مراقبين لـ”التحرير ” ، ظل الدولار ومنذ العام 2018م يسجل اعلى درجات اسعاره في سوق العملة ومازال مستمرا حتى يومنا هذا ، حيث تراوح سعر صرفه ما بين الـ(460ـ 490) جنيه دون الانخفاض عند مستوى الشراء في اسواق ” الظل ” السوداء ، وادت السياسات النقدية والمالية التي تم اتباعها الى فقد الجنيه قيمته بالكامل ورغم كل المحاولات الاسعافية التي بذلتها حكومة الفترة الانتقالية لم يحدث وان تعافى الجنيه من الداء الذي اصابه
سياسة التقشف
ادخل ارتفاع الدولار المواطن السوداني في حيرة من امره ، وجعله في اصتطدام مع الغلاء الذي تشهده الاسواق ، فلم يكن امامه سوى الرضاء بالمقسوم ومحاولة التغلب على الوضع القاسي من خلال الرجوع الى تطبيق سياسة التقشف التي اتت بها حكومة الانقاذ في سنوات ماضية على امل ان يتحسن الوضع وتعود المياه الى مجاريها وتعود هيبة الجنيه ، يقول المواطن عبد العظيم سعد لـ”الصحيفة ” فشلت الحكومة في معالجة مشكلة الدولار كما فشلت في ضبط الاسعار بالاسواق بالتالي اصبح المواطن يكتوي كل يوم بلهيب غول الغلاء ، متمنيا ايجاد حلول عاجلة حتى يتمتع الشعب بحياة رخية وامنة
اسباب مجهولة
بسبب ارتفاع الدولار مجهولة الاسباب فقدت صينية الغذاء السودانية الكثير من الاصناف التي كانت متوفرة في السابق واصاب الكثير من المواطنين مرض عضال اسمه “سؤ تغذية ” هذا يقابله ارتفاع في اسعار الادوية والتعليم وجاءت المواصلات لتحرم البعض من ممارسة العمل والخروج لكسب الرزق هذا ما ادلت به المواطنة نعيمة يوسف ، التي اردفت بالقول ” والله بقينا نشوف اللحمة في الجزارات ونعجز عن الاقتراب منها الا مرة في الاسبوع فالان حتى الامل مات بدواخلنا في انخفاض الاسعار ” ، واكدت بان الحكومة لا تابه لمعيشة المواطنين وانما تدس لهم السم في الدسم .
تدحرج الجنيه
بدأ اول انخفاض للعملة السودانية امام الدولار سنة” 1978م ” بعد ان تدخل البنك الدولي في العملية الاقتصادية في السودان ، وطالب حكومة نميري انذاك بان يتم تخفيض العملة الوطنية حيث كان الدولار يعادل ( 35 ) قرش سوداني وقتها والجنيه السوداني كان يساوي قرابة الثلاثة دولار ، ومنذ تلك الفترة بدأ الجنيه السوداني في التدحرج امام الدولار الى يومنا هذا
اختلال كبير
وحول اسباب تدهور العملة الوطنية امام العملات الصعبة يقول خبراء الاقتصاد ، هناك اختلال كبير في ميزان المدفوعات الخارجية وهذا الميزان هو الحصيلة ما بين الصادرات والواردت ، بالتالي من اوجب الواجبات الان ان تقوم الحكومة باعادة التوازن للاختلال الذي يشهده ميزان المدفوعات الخارجية ما بين الصادرات والواردات من خلال تعظيم الصادرات والتقليل من الواردات بقدر المستطاع ، والعمل على تخفيض فاتورة الانفاق على المواد البترولية ورفع حصيلة تحويلات العاملين بالخارج والغاء الية التحويلات الى الخارج بالنسبة للاجانب
خسارة مستمرة
وخرجت جولة ” التحرير ” وسط تجار العملة بالسوق الافرنجي بالعاصمة السودانية الخرطوم ، بانه ما زال الجنيه يواصل خساراته امام العملات الصعبة والدولار الامريكي ، ويتمثل العامل الاساسي في الارتفاع في الطلب المتزايد على الدولار وفشل الحكومة في ضبط السوق الموازي بالاضافة لظاهرة تهريب العملة وتراجع التدفقات من النقد الاجنبي جراء الازمة السودانية الاخيرة ، بالاضافة الى ضعف السياسات الخاطئة التي تركها نظام الانقاذ البائد وانعدام الاحتياطي النقدي من العملات الاجنبية لتصل مرحلة الـ”زيرو” ، بالاشارة الى وجود مافيا متحكمة في سوق العملات يتطلب الانتباه لها ومحاربتها بكافة الوسائل
زيادة قاسية
فيما يقول تاجر عملة فضل حجب اسمه ، “نحن امام زيادة تبدو غير طبيعية ساهم فيها المواطنين الذين قاموا بشراء الدولار عندما كان منخفضا واكتنازه في المنازل من تجار العملة المنتشرين وسط السوق الافرنجي والمتواجدين بالمكاتب في المباني بوسط الخرطوم ، واشار الى افتقار البلاد الى موارد دولارية اساسية ، واشار الى تدهور كل القطاعات الحيوية من سياحة وزراعة وصادرات وغيرها ، وقال حان الوقت لتغيير السياسات من خلال الاستفادة من دخول الوجود الاجنبي بالبلاد الذي تفوق نسبتة تواجده الـ(40%) من السكان وذلك من خلال فرض اجراءات ضريبية وغيرها تسهم في تحصيل نسبة محددة من دخولهم لتغذية خزينة الدولة كما يحدث في كثير من بلدان العالم ، واعتبر ان الاجانب اهم مورد اقتصادي يمكن الاستفادة منه حال التفتت الحكومة لهذا الجانب الامر الذي سوف يؤدي لتقوية الجنيه السوداني واستعادة مكانته دون عناء
طلب وسفر
وارجع الخبير الاقتصادي دكتور عادل عبد المنعم ارتفاع اسعار الدولار الى الطلب الكبير عليه هذه الايام لشراء المستوردات من السلع الاساسية من قمح ووقود ودواء ومدخلات الانتاج الزراعي ، والى اقبال المستوردين على على الشراء والى السفر للخارج حيث يوجد الف مسافر يوميا عن طريق المعابر يخرجون مليون دولار هذا غير السفر جوا والى دول الخليج وتهريب الذهب والدولار والى الفجوة الكبيرة في الميزان التجاري الذي يصل الى 7 مليار دولار بين الواردات والصادرات والى الانخفاض الكبير في قيمة الجنيه السوداني نتيجة لطباعة النقود لمقابلة احتياجات سياسة تحرير سعر الصرف لشراء العملات الحرة
معالجات كثيرة
وطرح عبد المنعم معالجات لارتفاع الدولار تمثلت في تقييد الاستيراد من الخارج لخفض فاتورة الواردات بنسبة 30% وتحصيل نسبة 10%مقدم بالعملة الحرة كما يعمل به في بنغلاديش ومنع السفر برا الى مصر وتحصيل ضريبة تعويضية قدرها 300 دولار على كل مسافر لاغراض التجارة والسياحة تحصل بالعملة الحرة وزيادة الدولار الجمركي الى 200 جنيه لزيادة الايرادات والحد من الواردات بديلا لطباعة النقود والضريبة المتضخمة بالتمويل بالعجز
نشاط خفي
وقال عبد المنعم لـ” التحرير ” ، توجد مافيا للدولار والاتجار فيه والمضاربة فيه وتحقيق الارباح الباهظة التي تصل الى مليارات الجنيهات في نشاط خفي دون سداد الضرائب، ويوجدون في السياسات الاقتصادية الرخوة والمتضاربة مرتعا خصبا لتحقيق الارباح السريعة في حالتي الشراء والبيع ومحاربة هذه المافيا يكون باصدار السياسات التي تقلل من الطلب على الدولار اضافة الى مصادرة اموال وثروات من يضاربون في العملات الحرة كذلك مصادرة الاموال مجهولة المصدر لصالح الحكومة لان ترك تلك الاموال في ايدي بعض الافراد يمكن ان تشكل مصدرا للتخريب الاقتصادي وزيادة معاناة المواطنين بارتفاع الاسعار وتدهور القوة الشرائية للجنيه السوداني
عمليات انتاجية
ويقول المحلل الاقتصادي علاء الدين فهمي لـ”التحرير ” ، توجد سلسلة طويلة من الاجراءات حتى يتم توفير الدولار بسعر منخفض مقابل الجنيه ، تبدأ بتحسين قطاع الانتاج شريطة ان يكون مطابق للمواصفات والجودة العالمية وان يكون سعره منافس في السوق العالمية وبالكميات المعقولة التي تسهم في تنفيذ عملية التصدير ، وبلا شك فان العملية الانتاجية الجيدة تتطلب دولة راشدة تمتلك خطط وبرامج واضحة لعملية الانتاج بشقيها الصناعي والزراعي والتعديني وان تمتلك بنية تحتية للانتاج الذي شهد تدمير في الاونة الاخيرة فهذا التدهور هو ما تركته حكومة الانقاذ المبادة التي دمرت البنى التحتيه والخدمة المدنية التي تدنت الى ادنى مستوياتها طوال حقية الثلاثين عاما الماضية ، واضاف الان توجد ورثة مثقلة حقيقية يجب بحث امكانية معالجتها لتعافي الجنية .
مشكلات تهريب
ويضيف فهمي هناك عامل اخر اسهم في تراجع الجنيه وقفز بالدولار هو معدن “الذهب ” الذي يواجه مشكلة تهريب نسبة كبيرة من انتاجه ، موضحا ان السبب الاساسي وراء ظاهرة تهريب المعدن ان النظام البائد اعطى قيمة متدنية اقل من سعر البورصة العالمية بكثير في سعر الذهب للمنتجين من دهابة ومصدرين مما ادى لاحجامهم في الفترة الاخيرة عن التصدير عبر القنوات الرسمية وعبر الصادر ودفعهم لعدم توريد حصائل الصادر الى بنك السودان المركزي لوجود فرق كبير جدا في القيمة السعرية ما بين البورصة العالمية وما يدفعه لهم المركزي لذلك قاموا بتهريب الذهب وبيعه بالسعر العالمي للاستفادة من فرق السعر كاصحاب حق
خيار واحد
وتابع فهمي “لان المنتجين والمصدرين مطالبين بسداد مبالغ حصيلة الصادر مقدما ليست امامهم سوى شراء دولار من السوق السوداء باي سعر وتوريده لخزينة المركزي كحصائل صادر الذهب مقدما وهذا ما حدث قبل اشهر وادى لارتفاع مفاجئ للدولار من (98) الى مبلغ تراوح بين (118 ـ 120) جنيه سابقا ثم توالى في الارتفاع ، بعدها يقوم المنتج بتصدير المعدن ويترك حصيلته بالخارج ، فهذه الطريقة ادت لارتفاع سعر الدولار بصورة مخيفة جدا وانخفاضا كبير في العملة المحلية”
تحويلات المغتربين
واعتبر فهمي ان الموارد الاساسي للدولار يتمثل في تحويلات المغتربين ، اما المورد الثاني هي عائدات الذهب الذي اصبح اكبر مصدر لجلب العملات الصعبة منذ ايقاف صادر البترول في العام (2011م) ، ويؤكد ان حصائل الصادرات هي المورد الثالث ، لكنه يقول هناك مشكلة كبيرة تواجه هذا القطاع فاغلب الصادرات من السمسم والصمغ العربي والقطن والكركدي وعباد الشمس والذرة وهذه مجتمعة في الغالب تخرج عبر ما يعرف بـ”الوراقة ” وهم سماسرة يقفون على بيع الورق ويقومون باستخراج مستندات مزورة على اساسها يقوم المصدر بشحن بضاعته بالتالي لا يسددون حصائل الصادر التي تظل بالخارج بمئات الملايين من الدولار وتؤدي لفقد البلاد بعض الميارات
ضمانات اضافية
ويواصل فهمي حديثه بالقول ، يبقى من الضروري الالتفات لظاهرة الصادرات عبر الوراقة ، واقترح ضرورة ان تفرض وزارة التجارة ضمانات على المصدرين سواء كان رهن عقاري او خطاب “ال جي وتلف قرين تي ” من المركزي بحيث يتم الاستيلاء على املاك المصدر من قبل المالية والمركزي حال عجزه عن سداد حصيلة الصادر ، ويؤكد ان قيمة الصادرات هي التي تشتري الواردات ، غير ان السودان شهد شح واختلال في الميزان التجاري وميزان المدفوعات الخارجية لفترة طويلة جدا ، ولترتيب الاولويات التي يمكن ان تقوي الجنيه اما مالدولار ، داعيا الى ضرورة تغيير العملة فورا او سحب الفئات النقدية ابتدأ من (100 ـ 200 ـ 500) جنيه من التداول وتصبح غير مبرئة للذمة بعد فترة سماح تغيير العملة
اموال مزورة
ولفت فهمي الى وجود كتلة نقدية ضخمة تقدر بخمسة مليار دولار خارج الجهاز المصرفي هذا غير الاموال المزورة التي لا يعرف حجمها ولكنها متوفرة بكميات ضخمة منذ الفترة الاخيرة للنظام السابق حيث كانوا يطبعون كما قال احدهم “رب رب رب ” بدون حسيب ورقيب ، ودعا الى ضرورة تغيير سياسة صادر الذهب على ان يصدر المنتج عبر بنك السودان وان توضع قيمة الصادر بالدولار في حسابات المصدرين ولا يتم استخدام هذه الدولارات الا لعملية الاستيراد فقط ، مع ايجااد سياسات مالية ونقدية قوية تعيد التوزان للاقتصاد الكلي ثم الوقوف على ارضية جيدة حتى تتمكن الدولة من البدء في عمليات الانتاج الزراعي والصناعي والتوسع في المشاريع مع محاربة المضاربة في العملة الصعبة وفي السلع