برحيل محمد طه القدال(في العاصمة القطرية الدوحة التي احتضنته للعلاج) فقد السودان اليوم (٤ يوليو ٢٠٢١) شاعرا مبدعا و مجيدا ، وحسن الفعال و الخصال والشمائل .
وقف بحضوره الوطني الفاعل في صدارة فحول الشعراء، المنحازين لهموم الشعب السوداني، وتطلعاته المشروعة، في سبيل أن ينعم بالعيش الحر، الكريم.
فقيدنا استخدم موهبته وقدراته، بتطويع الكلمة في خدمة الشعب ، لا القابضين على انفاس الناس، وكان فارسا من فرسان الكلمة الحرة ، تحدى الطغاة، وعانى شتى صنوف القمع والقهر ، من أجل كرامة الانسان وعزته.
في شعر القدال النابع من (لسان) أهلنا ببساطته وروعته تتجلى موهبته، وتبدو روحه العميقة ،التي تخاطب الوطن و(أهل الوطن) و(شعب الوطن)، بمحبة يقترن فيها القول بالعمل.
كان وسيبقى بعد رحيله يسجل حضورا بهيا في وجدان الشعب ، بشعره المشحون بنبض( التفاؤل)و(الأمل)والقناعة بانتصار الشعب.
على سبيل المثال يخاطب القدال بشعره (وطني العزيز المحترم)و يقول في مشاهد ابداعه و(على كيفنا ما كيف الرمم)كما يبدو واثقا من النصر بقوله (الفرح جاييك وعد).
الوطن كان يشكل همه الأول ودافعه للبوح الجميل، وكان إما مصدر سعادته وفخره ، أو قلقه وحزنه ووجعه الشديد ، وقد تميز باهداء قصائده للوطن، وهو الذي كتب قصيدة (شن عندي ليك أنا يا وطن) غير القصيدة…
الشابي فرعها في الشموخ ….
في هذه القصيدة الجميلة خاطب (الشعب المعلم للمكارم والسبق)…
(ما ينهزم من تاني .. لا بيقبل ضرب فوق القفا)….
ويواصل مخاطبة شعبه ويرسم مشهد (في حبك اندغمت دموعهم بالدما)..
كان يكره سفك الدماء، فدعا الى السلام ، وضرورة وأهمية وضع حد لشلال الدم ، اذ قال (رفرف جناحك ياسلام)..
(غطي الجبل والوادي ..غسل ظلمهم)
(ياظلمهم ..قتلة ولئام)..
مثلما كان رائعا في شعره الذي دخل قلوب السودانيين ب(سودانية) روحه الشعرية ومفرداته النابعة من البيئة وجماليات اللغة العربية أيضا ، كان جميل الدواخل والمواقف في أحاديثه الصحافية .
خاطب الشعب في ندوات، ومواقع الانتصار لثورة الشعب ،اذ كان فارسا من فرسان شمس السودان الجديد ، بالكلمة الواثقة، القوية، الجميلة ، والموجعة للجلادين الذين قمعوا الشعب، وأذلوه، وسرقوا موارده .
استهدفه الظالمون ، لأنه كان يرى أن (مطالب الشعب مشروعة)وأن (الابداع لا ينمو الا في زمن الحرية)وأن اعتقال وممارسة العنف ضد رافضي الظلم (اهانة للكرامة) الانسانية.
رحيل القدال فقد كبير للوطن وانسانه الرائع الصابر ، لأننا نفتقده في وقت نحتاج الى صوته، كي يدعم الخطى ، لتنتصر الثورة بتحقيق أهدافها الكبرى وأولويات الشعب.
لكنه رغم الرحيل كان وسيبقى (رمزا) من رموز الابداع، لأن عطاءه بالكلمة الشجاعة والموجعة لمن وصفهم ب (اللئام) لا يموت ..
أقول دائما حينما يرحل مبدع أو رمز من رموز الوطن ، هناك أموات جسديا و تاريخيا ،وهناك أموات لكنهم أحياء تاريخيا .. بعطائهم ورسوخهم في وجدان الشعب .
القدال رحل، والموت حقيقة كبرى ، لكنه يقف شامخا بين (الأحياء تاريخيا) ، بعطائه للوطن وانسانه ،بالكلمة الجميلة ..الخضراء..والمزلزلة لعروش الطغيان .
نسأل الله أن يرحمه رحمة واسعة بقدر ما قدم لشعبه من روائع وتضحيات .
التعازي لأسرته ،وأهله، ولشعبنا الذي وصفه الراحل ب( المعلم للمكارم والسبق..)
(إنا لله وإنا اليه راجعون)
محمد المكي أحمد- لندن- ٥ يوليو ٢٠٢١