النّوبة.. أرض البدايات، ونبعة القصائد المستحيلة، ميلاد الذهب وانتباهات النيل الثلاث: كوش ومروي ونباتا. هناك، في وجدانها الأزليّ الباهر بدأ الإنسان الرسم، ولوّن بيته وثياب حبيبته بسحنة الورد ودمعة الغيب.
أحييّها، وأحييّ أهلها، والسودان كلّه في يوم النّوبة المجيد. وأتذكّر فيه أصدقائي، صفوة البهاء والألق والإنسانيّة والطِيبة، الشماليين المشرّعين أفئدتهم للفنّ والأدب والحبّ، سواء صحبي في السودان أو خارجها في أصقاع المعمورة، الذي أخذتهم الحياة بعيدًا كعادتها الجافية مع النوبيين.
وبلى.. الحضارات تدلّ عليها الآثار والنقوش والسجلّات الأركيولوجية، والنّوبة مثلها، لها الكثير من هذه الأدلّة التي تحفظ للعالم مباهج حضارة “كرمة”، إلاّ أن هذه الأرض تزيد عن غيرها بأن حضارتها بيّنة أيضًا في سلالة أهلها، في دماثتهم ونبلهم العميق، وكرمهم، ورقيّ أرواحهم وحبّهم للخير والجمال.
أعيد التحية لأحبتي كلهم من النّوبة، الذين كتبت منهم تسعة، وخفت أن الوقت ومشاغل الحياة التعسة أنستني آخرين، فاكتفيتُ بهذه الإشارة التي تُلوّح من أعماق قلبي. فسلام عليهم جميعًا وعلى من يقرأ هذه الحروف المتواضعة، وسأعوّضكم بواحدةٍ من تجلّيات النّوبة التي كان أبي يحبها من حبّه للنوبيين، وظلّت في قلبي أحملُها أينما يمّمت:
“لو جيت في يوم ارسمك
ارسم أمل بسّام
ارسم حضارة ومدن
وابراج حمام ويمام
والغيط هيفرح قوي لمّا أعمله مرسم
وأمي الهنا هتنبسط لمّا أشتغل رسّام”
- كلمات: شاعر الفلاحين سليمان غريب
- ألحان وغناء: الفنان العالمي النوبي حمزة