مازال الجدال محتدما في الشارع السوداني حول الموقف من ازمة سد النهضة، هناك ثلاث مواقف في الساحة الان، من يقفون مع موقف الحكومة الانتقالية الراهن والذي تقوده وزيرة الخارجية مريم المهدي، من يقفون ضد هذا الموقف، ومن لم يحددون بعد موقفهم. خارج هذه المواقف هناك اتهامات تثور هنا وهناك ضد الموقف الحكومي الرسمي الذي اعلنته وزيرة الخارجية امام مجلس الأمن في نيويورك قبل ايام، حيث يعتقد البعض أن هذا الموقف متماهي مع مصر لدرجة بعيدة، وهو قول غير صحيح، فالسودان يطالب بتوقيع اتفاق ملزم بين الاطراف الثلاثة حول سد النهضة، وهو الموقف الذي تدعمه مصر بينما ترفضه اثيوبيا، وبالتالي تطابق موقف السودان مع مصر في الكثير من جوانبه لا يعني أن حكومة السودان تنفذ في اجندة مصرية، السودان دولة ذات سيادة، تملك قرارها، ولا تنفذ أجندة اي دولة ضد دولة اخرى، وإنما تقف حكومة السودان مع مصالحها ومصالح شعبها فقط.
اذا لم تعلم حكومة السودان كيف يتم ملء وتشغيل سد النهضة فهي لن تستطيع ان تخطيط لأي مشاريع اقتصادية على النيل الازرق، غياب المعلومات الفنية المتعلقة بملء وتشغيل سد النهضة قد يؤدي إلى إلحاق الضرر بسدود السودان ومشاريعه الزراعية ومحطات مياه الشرب، لذلك لا يمكن أن يتعامل السودان مع اثيوبيا بحسن النوايا، فحكومة اثيوبيا أقامت هذا السد لمصلحة شعبها وليس لمصلحة شعب السودان، هذه هي الحقيقة الوحيدة الاكيدة التي لا يستطيع أن يجادل فيها احد، وبالتالي على حكومة السودان ان تبحث عن مصلحة شعبها وليس مصلحة شعب اثيوبيا، وفي ذلك مطلوب من الحكومة بذل كل الجهود الممكنة من اجل عدم تعريض مصالح الشعب السوداني للضرر نتيجة قيام سد النهضة، وهو الدور الذي تنشط فيه بصورة ملحوظة وزيرة الخارجية.
بعض الذين لا يفهمون التاريخ السياسي ولا يقراءونه يربطون بين موقف وزيرة الخارجية التي تنتمي إلى حزب الأمة القومي وموقف الحزب نفسه، ويعتقدون أن الوزيرة تنسق مع مصر لأن مصر حليفة لحزب الامة، وهذا خطأ، صحيح حزب الأمة حزب تاريخي كبير تمكن عبر الانتخابات الديمقراطية من حكم السودان ثلاث مرات، وهذا جعله حزبا معروفا وذا وزن ضخم داخليا وخارجيا، ولكن تاريخيا يعتبر حزب الأمة حزبا غير محبوب من الحكومات المصرية، فهو الحزب الذي وقف في فترة الاستقلال امام شعار الاتحاد مع مصر وهزمه وحقق استقلال السودان، ويذكر الجميع ما حدث قبل سقوط الإنقاذ وتحديدا في يوليو عام ٢٠١٨ حين منعت الحكومة المصرية الامام الراحل الصادق المهدي من دخول القاهرة بعد عودته من لقاء في لندن مع تحالف نداء السودان، وبالتالي لا يمكن وصف حزب الأمة بانه حزب حليف لمصر، قد ينطبق هذا الوصف على الحزب الاتحادي ولكنه لا ينطبق على حزب الأمة، وبالتالي لا يمكن اتهام وزيرة الخارجية بأنها تنفذ في اجندة حزبية بالتماهي مع مصر، وإنما ما تنفذه الوزيرة هو سياسة الحكومة الانتقالية، ولربما تعتبر اثيوبيا هي الاقرب لحزب الامة من مصر، فاثيوبيا استقبلت هجرة كوادر حزب الأمة القومي في السبعينات أبان معارضة الحزب لنظام السفاح نميري، ثم استقبلت اثيوبيا في التسعينيات فصائل من جيش الأمة للتحرير إبان معارضة الحزب لنظام الانقاذ الشمولي، لذلك ان كانت الوزيرة تنفذ أجندة الحزب لربما دعمت موقف اثيوبيا، عليه فهذا القول مردود على قائليه.
الشعب السوداني مطالب بدعم حكومة السودان ووزيرة الخارجية في مسعاهم من أجل توقيع اتفاقية شاملة يتم عبرها استفادة الدول الثلاثة من سد النهضة وتحقيق مصالحها بدون الأضرار بمصالح الاخرين، ويتضمن ذلك بكل تأكيد اطلاع حكومة السودان على كيفية ملء وتشغيل سد النهضة حتى تستطيع التخطيط الجيد لمشاريعها الاقتصادية والتدبير المسبق لتفادي اي اثار سالبة محتملة.
sondy25@gmail.com