اندهشت والكثيرون مثلي لعرض قناة تلفزيون السودان القومية برنامجا احتفاءا بذكري انقلاب يوليو ١٩٧١، الانقلاب الثاني الذي قام به الحزب الشيوعي ضد انقلابه الأول الذي نفذه في مايو ١٩٦٩.
ولكن كيف نستغرب والتلفزيون القومي يدار بواسطة الرشيد سعيد الكادر الشيوعي المعروف وصهر الضابط بابكر النور الذي شارك في هذا الانقلاب وأعدم بعد فشله، مع أن الحقيقة الساطعة التي لن يستطيع اخفاءها هذا البرنامج ومن هم خلفه هي أن الضابط بابكر النور كان شريكا ايضا في قيادة انقلاب مايو ١٩٦٩ الذي قوض النظام الديمقراطي الشرعي.
واضح ان عهد المهازل في بلادنا لم ينتهي بسقوط الكيزان؟ اذ يبدو ان شعبنا خرج من مهازل تلفزيون الطيب مصطفى الكوز، إلى تلفزيون الرشيد سعيد الشيوعي!! وكأن قدر هذا البلد الطيب، وشعبه السمح الوسطي في كل شيء، ان يظلا أسيرا لافكار المتزمتين الانقلابيين من اليمين واليسار!!!
معظم الذين استفسرتهم عن تلك الحلقة لم يشاهدوها، فتلفزيون السودان القومي منذ مجيء الكيزان، أصبح تلفزيونا لا يشاهده احد، وواضح ان تلفزيون الاحتفاء بانقلابات الشيوعيين لا يشاهده احد كذلك، ولا اتوقع ان يشاهده أحدا مرة أخرى وهو بهذا المستوى المؤسف.
الا يعلم قادة تلفزيون السودان ان الاحتفاء بانقلاب عسكري في ظل ثورة شعبية أطاحت بانقلاب عسكري هو أسوأ فعل يمكن أن يحدث في هذا التوقيت! الا يعلمون أن الاحتفاء بانقلاب عسكري يعني بصورة جادة وواضحة تمرير رسالة للجماهير مفادها ان الانقلابات فعل جيد ووطني، وان من حق من يريد الانقلاب الآن أن يتفضل بتنفيذه!!
من اي كتاب يقرأ هؤلاء؟ ومن أي كلية اعلام تخرجوا؟ واضح انهم يقرأون من كتب الحزب الشيوعي، وتخرجوا من الجامعات الماركسية، لذلك يعملون جاهدين لتحويل الانقلاب العسكري المشؤم إلى نشاط وطني، لا لشيء إلا لانه انقلاب احمر.
الذين انقلبوا على تجمع المهنيين الذي قاد ثورة الشعب وحولوه من تجمع مهنيين قومي إلى تجمع مهنيين شيوعيين، لن يصعب عليهم ان يحولوا تلفزيون السودان القومي إلى تلفزيون السودان الشيوعي، ولن يعجزهم غدا ان يحولوا شعاره إلى إلى أحد شعارات حزبهم الاحمر، فمن سكت له الناس على افعاله صعد على ظهرهم.
فليعلم شيوعيو تلفزيون السودان، ان هذا القناة قناة قومية لا يحق لهم استغلالها لتلميع انقلاباتهم الحزبية وتحويلها لافعال وطنية قومية، فالانقلاب الذي حدث في يوليو ١٩٧١ لا يختلف عن انقلاب مايو ١٩٦٩، فحتى الضباط الانقلابيين أنفسهم كان عددا منهم شريكا في الانقلابين الأول والثاني، وبالتالي لا يمكن الفصل بينهما، ولا تلميع اي انقلاب عسكري منهما، ولا يمكن أبدا فتح قناة السودان القومية لمن ذبح الديمقراطية بنصل الانقلاب وملأ الأرض بدماء ألاف السودانيين الأبرياء في ود نوباوي والجزيرة ابا وبيت الضيافة.
جميع قادة انقلابي ١٩٦٩ و١٩٧١ قتلة لا يمثلون شعب السودان ولا قوميته، ولا وصف لهم غير ذلك، وجميعهم لقى عقابه الذي يستحق، فقادة الانقلاب الاول عام ١٩٦٩ عاقبهم الشعب السوداني بالأطاحة بهم في ثورة أبريل العظيمة في عام ١٩٨٥، بينما قادة الانقلاب الثاني ١٩٧١ عاقبهم شركاءهم وليس جهة أخرى باعدامهم جميعا في يوليو ١٩٧١.
كلا الانقلابين نماذج مشوهه ومقززة من تاريخ السودان لا يجب أن تعرض على أجيال شريفة كاجيال ثورة ديسمبر، ولا يجب ان تدنس ذكراها وجه قناة السودان القومية، خاصة والبلاد تتنسم عبير الحرية والديمقراطية في ظل ثورة شعبية، أطاحت بانقلاب الإنقاذ، ومبدأها الاساسي ان الشعب ضد الانقلابات العسكرية جملة وتفصيلا.
تحرر السودان من انقلابي الإنقاذ بثورة ديسمبر، ولكن يبدو أن تلفزيون السودان بعرضه لذكرى انقلاب يوليو١٩٧١ يمهد الطريق لإنتاج انقلابيين جدد، سماهم (التصحيحيين)، الا يسمع البعض منكم هذه الأيام بلفظ ينتشر عند البعض باسم ( الثورة التصحيحية) او (تصحيح ثورة ديسمبر) ؟!! الا يوحي لكم ما يفعله تلفزيون السودان بشيء يدبر في الخفاء للحكومة الانتقالية؟!!
أليس غريبا أن يحتفي التلفزيون الحكومي القومي بانقلاب الحزب الشيوعي التصحيحي سنة ١٩٧١، في نفس الوقت الذي يدعو فيه هذا الحزب بالذات لثورة تصحيحية لإسقاط الحكومة الانتقالية الراهنة؟!!!
الى السيد وزير الاعلام وقادة الحكومة الانتقالية افيدونا: من يحتاج الآن لثورة تصحيحية؟ الحكومة ام تلفزيون الرشيد سعيد الاحمر؟
يوسف السندي
sondy25@gmail.com