مرت علينا امس الاول الذكرى السابعة والخمسين لرحيل فنان وصحفي متميز وضع بصماته واضحه في خارطة الفن السوداني الحديث، كما كان صحفيا متميزا اسهم في اكتشاف العديد من المواهب الشعريه الذين قدموا الروائع التي تغنى بها الكثير من كبار الفنانيين.
ولد الفنان محمد الحويج في قرية المكنية، وهي عاصمة قبيلة الجعليين العمراب تلقى مبادئ القراءة والكتابة وحفظ القران الكريم في مسيد جدة الشيخ حامد اب عصا ثم انتقل الى عطبرة ليلحق بوالده وأعمامه، وتلقى تعليمه الأولي والأوسط، وانتقل إلى الخرطوم، حيث عمل في مستشفى النهر للعيون ممرضاً، ولم يكن ذلك طموحه، وقد كان يهوي القراءة، وكانت هناك العديد من الاصدارات من صحف ومجلات، وكتب في المكتبات المعروفة، مثل مكتبة ابو الريش والنهضه وغيرهما.
سافر الحويج إلى مصر ضمن مجموعة من أبناء بلده المكنيه حيث أوفدهم الشيخ العوض سمساعة مبعوث الأزهر إلى جنوب السودان وكان من زملائه الاستاذ بابكر الأمين صاحب استديو أمين في شارع النص بأمدرمان، والدكتور الفاتح السنوسي الملحق الثقافي الاسبق في السفارة السودانية بالقاهرة، والراحل الأستاذ الباقر سليمان مدير مدرسة محمد حسين الأسبق، والمرحوم الاستاذ ابوالقاسم سمساعة، الذي عمل مديراً لعدد من المدارس الثانوية في السودان التحق كلهم بالأزهر الشريف، بما فيهم الحويج، وواصل الحويج دراسته، وكان في نفس الوقت يكتب في عدد من الصحف المصرية، فقد كان كاتباً بارعاً، وكان لديه عمود يومي في جريدة الجمهورية.
كان الحويج يتطلع بجانب موهبته الصحفية للغناء، وبالفعل كان يغني في حفلات الملتقيات السودانية، وكانت تربطه علاقة قوية بالراحل سيد خليفة، والذي كان أيضاً طالباً بالازهر ، وقد ترك الازهر ليلتحق بمعهد الموسيقى، واستطاع أن يقنع الحويج لترك الازهر والالتحاق بمعهد الموسيقى الايطالي، وبوجود الشاعر الكبير عبدالمنعم عبدالحي في القاهرة منحه إحدى قصائده رجع الحويج الى السودان اثر وفاة والده في العام ١٩٥٩م، والذي تركه له بجانب والدته رحمها الله شقيقين هما المرحوم شرف الدين والبروفيسور سليمان الذي يعيش حاليا في انجلترا، والتحق بعد عودته بوزارة الاستعلامات والعمل، ومجلة (هنا امدرمان)التي تصدرها الوزارة، وكان رئيس تحريرها الشاعر الكبير الفيتوري.
وكان الحويج يحرر صفحه بعنوان(باقلام القراء)ومن خلال هذه الصفحة اكتشف الشاعرين الكبيرين اسحق الحلنقي والراحل محمد يوسف موسى، وعددا من الادباء والشعراء، ومازال الحلنقي يذكره بالخير، وقد نشر الحويج الحلنقي أغنية(الابيض ضميرك)،وتنبأ له بأن يكون من كبار شعراء الاغنية بالسودان، وقد تحققت نبؤته للشاعرين الكبيرين.
بدأ الحويج الغناء رسمياً، وسجل عدداً من الاغاني للإذاعة، وكانت تربطه علاقه صداقة قوية جداً بالفنان عثمان حسين، وقال الفنان عثمان حسين بان معظم أغانيه لحنها في منزل الحويج ببانت، كما ذكر عثمان حسين أن الحويج كان سبباً في تعريفه بالعديد من الشعراء والادباء وبعض كبار المسؤولين في ذلك الوقت، ومن ضمن أولئك الشاعر عبدالله حامد الأمين صاحب الندوة الادبية التي كان يؤمها العديد من الادباء والشعراء والفنانين، والشاعر عبدالله حامد الامين يمت بصلة القربى للحويج وهو صاحب أغنية(كلمة منك حلوة)التي غناها الحويج وعثمان حسين كثنائي.
وفي مكتبة الاذاعة، تسجيلان أحدهما بصوت الحويج منفرداً، والاخر بصوتيهما كثنائي، ويحكي البروف علي شمو – أطال الله في عمره- قصة التسجيل الثنائي بان الحويج في جلسه حضرها البروف غنى الاثنان الاغنية، فطلب منهما تسجيلها كثنائي في الإذاعة، وهذا ما حدث بالفعل اسهم الحويج في اكتشاف العديد من المواهب، وساعدهم، وقدم لهم الدعم المعنوي والتشجيع مثل الفنانة (اماني مراد)، وثنائي النغم، وهو صاحب لقب (ثنائي النغم). ايضا من ضمن إشراقته عندما اعتزل الفنان الكبير عبدالله الماحي، واستقر في قريته كبوشية ذهب اليه الحويج وأقنعه بالرجوع عن الاعتزال، وبالفعل أتى معه الى امدرمان، واعاد تسجيل بعض أغنياته.\
كون الفنان الحويج مع السني الضوي وابراهيم ابوديه ثلاثي العاصمة، وقدموا أغنيات خالدة مازالت تعيش في وجدان الشعب السوداني، وصاحب فكرة الغناء الثلاثي هو الراحل جعفر فضل المولى، ولهذا قصة (كان الفنان ابودية مبتدئاً، يقلد عثمان حسين فيما كان السني الضوي ملحناً، وقد طلب ابوديه من السني أن يلحن له أغنية، وفي جلسه غنائية شعر جعفر فضل المولي مدى تقارب صوت أبوديه للفنان عثمان حسين، وبما أن الحويج غنى كثنائي أغنية “كلمة منك حلوة”، والسني الضوي لحن لابوديه فربط بين اصوات الثلاثي، وطلب منهم الغناء،مع بعض كتجربة فريدة في الغناء السوداني، وبالفعل تم تنفيذ الفكرة وتمت تسميتهم بثلاثي العاصمة، وعندما توفي الحويج رفض الثنائي الغناء بعد ذلك، ولكن تدخل اللواء طلعت فريد -رحمه الله – وعلي شمو -أطال الله في عمره – وأقنعا السنى وابوديه للغناء كثنائي، واحتفظوا بالاسم بدل ثلاثي بثنائي.
كان الشاعر الراحل علي شبيكة من أصدقاء الحويج المقربين، وقد عرفه بالفنان عثمان حسين، ويقول شبيكة إن الحويج من الشخصيات التي لا يرد لها طلب كما عرف الحويج الشاعر عوض أحمد خليفة بالفنان عثمان حسين، ويحكي الراحل عوض أحمد خليفة عن أغنية (عشرة الأيام بأنه منحها أصلاً للحويج، الذي طلب من عثمان حسين تلحينها، وقد تغنيا بها سوياً، ولكن عثمان حسين طلب أن يغنيها فوافق الحويج، كما وافق الشاعر عوض احمد خليفة، وهنالك تسجيل في الاذاعة بصوت عثمان حسين والحويج لهذه الاغنية تماماً، مثل أغنية(كلمه منك حلوة).
كان الحويج هو صاحب فكرة إنشاء المسرح القومي، وكذلك إنشاء نقابة الفنانين، كما ذكر ذلك في إحدى الحلقات التلفزيونية الفنان أحمد المصطفى – رحمه الله – في ذكرى الحويج.
لم يكن الحويج يكتب في الفن فقط، بل كان رياضياً يكتب عموداً رياضياً في صحيفة الأيام، وكان مهموماً بالمنتخب الوطني (الاهلي السوداني)كما كان يسمى.
من أشهر أغانيه الخاصة (مين أحلى من حبيبتي مين وفاتنه)، ومع الثلاثي (حيرت قلبي معاك وبدر سامي في علاه)، ومع عثمان حسين(كلمه منك حلوة وعشرة الأيام.
رحل الحويج في العشرين من يوليو ١٩٦٤م بالمستشفى العسكري، رحمه الله رحمة واسعه.