بعد التطور الخطير الذي حدث بتفجير نادٍ اجتماعي لحي أمن من أحياء بورتسودان (حي سلبونا)، واستهدافه بقنبلة (قرنيت) راح ضحيتها 5 مواطنين أبرياء، وهو ما كنا قد حذرنا منه حين ظللنا نذكر باستمرار أن الصراع في المدينة سيمتد إلى مكونات أخرى إذا ظلت متفرجة على ما يحدث على يد اللجنة الأمنية بحق مكون بني عامر والحباب. وعلى الرغم من إدانتنا هذا الحدث الإرهابي الغادر بحق الأبرياء، كان من المتوقع أن تتسع دائرة صراع المكونات في مدينة بورتسودان بطريقة، أو بأخرى، ما دام أحد مكوناتها يقع عليه الحصار والقتل على الهوية، ويظل مدافعاً عن نفسه ضد آلة الدولة العسكرية (قوات اللجنة الأمنية) التي جعلته يدافع عن نفسه بكل الوسائل الممكنة، وسط اكتفاء بقية المكونات بالتفرج، دون أن تحرك ساكناً.
لقي هذا الحدث الإرهابي الغادر صدى كبيراً في كافة أنحاء السودان عبر الإعلام والصحافة والرأي العام، ليس فقط لغرابته على المجتمع السوداني وخطورته كتطور في صراع المدينة، وهما سببان كافيان لتسليط الضوء عليه بطبيعة الحال، ولكن كذلك بدا ذلك الحدث كما لو أنه فقط هو الحدث الذي لفت أنظار السلطة والإعلام والصحافة في الخرطوم، دون أحداث كثيرة وقعت على مكون بني عامر والحباب على مدى سنوات ثلاث ولم تلقَ صدى مستحقاً يليق بأرواح الأبرياء والجرحى الذين راحوا ضحايا هذه التخطيط الخبيث والمستمر للجنة الأمنية بولاية البحر الأحمر، ضد هذا المكون!
أصول الفتنة
لعل من المهم أن نعود لأصل الحكاية، وسبب البداية في فتنة الاقتال الأهلي، التي عصفت بمدينة بورتسودان منذ ثلاث سنوات، وتحديداً في يوم 5 يونيو (حزيران) 2019، ففي العودة إلى الأصل ما قد يضيء الحقيقة، ويملك المستبصرون معرفة مهمة وواضحة. في أول يوم عيد الفطر، وبعد ساعات من صلاة العيد؛ فوجئ بعض الأهالي من مكون بني عامر والحباب من سكان مربع 1 و2 بحي “غرب الزلط” (وهو حي غالبية سكانه من مكون النوبة، وفيه أقلية من مكون بني عامر والحباب) بهجمات قاتلة من “عصابات النيقرز”، التي تتبع جهاز الأمن، ولا علاقة لها بمكون النوبة، دون سبب، وهم في بيوتهم آمنون. صاحب هجوم تلك العصابات انتشار للجيش من القوات الجوية كان قائدها المدعو اللواء عبدالخير من مكون النوبة على شارع الزلط (الأسفلت) الذي يفصله الحي عن نظيره “دار النعيم”، الذي تسكنه غالبية من مكون بني عامر والحباب، وتم قتل أفراد من أبناء الأخير وسط أهاليهم وعائلاتهم بلا سبب، وكان من بين القتلى إمام صلاة العيد الذي كان قد صلى بسكان الحي كلهم صلاة العيد قبل ساعات، وخلال يومين تم قتل 34 فرداً من مكون واحد فقط على يد تلك العصابات في حي غرب الزلط وفي أحياء أخرى بالمدينة. كما تم حرق الجثث بعد قتلها، في استهداف واضح لإرادة الفتنة من قبل اللجنة الأمنية في البحر الأحمر عبر الاعتداء على مكون واحد في المدينة دون سبب!
والأغرب من ذلك أنه تم الإيعاز للمستشفيات من قبل اللجنة الأمنية بأن تسجل في تقرير أسباب الوفاة لتلك الجثث الـ34 المحروقة أنها هبوط حاد في الدورة الدموية! هذا هو السبب الذي كانت به بداية الفتنة في مدينة بورتسودان.
وكما يدرك كل مواطن في بورتسودان (وكل من يقتنع بهذه الرواية الصادقة) أنه لم تكن هناك قبل هذا الغدر من عصابات النيقرز بمكون بني عامر والحباب في يوم العيد أي أسباب للفتنة في المدينة؛ فإذا تم قتل أبرياء والاعتداء عليهم في منازلهم وهم آمنون في يوم العيد عبر الغدر بهذا المكون في الموجة الأولى من موجات القتل، وإذا تعرض المكون ذاته لموجة أخرى بعد شهرين من اللجنة ذاتها؛ رداً على اتفاق الإعلان السياسي والدستوري بين قوى الحرية والتغيير والمجلس العسكري الانتقالي في 17 أغسطس (آب) 2019، سنجد أن السبب السياسي واضح جداً هذه المرة، كما كان واضحاً في المرة الأولى؛ حيث تزامنت خطة الغدر بهذا المكون في يوم العيد الموافق 5 يونيو (حزيران) 2019 في بورتسودان مع الغدر بالثوار قبل ذلك بيومين أمام مبنى القيادة العامة في الخرطوم في 3 يونيو 2019.
شيطنة بني عامر والحباب
وعلى الرغم من هذا الوضوح البين والساطع في أسباب الفتنة التي اختارت لها اللجنة الأمنية للبحر الأحمر مكون بني عامر والحباب ليكون ضحيةً أولى إلى جانب توريط مكون النوبة ضده في الفتنة إحياءً لذكرى فتنة اقتتال حدثت بين المكونين عام 1986 بين المكونين إثر انتفاضة عام 1985. على الرغم من كل ذلك، ترسم اللجنة الأمنية ذاتها خطةً لشيطنتهما من خلال الإشاعات والتضييق عليهم، واستغلال ما عرف عن هذا المكون من طيبة ووداعة وحب للسلم، في أعمال استفزازية صبر عليها طويلاً في الفضاء العام، ثم الطعن في هوية هذا المكون بنعته مكوناً أجنبياً غير سوداني وتحريض المجتمع عليه بالدعاية المغرضة والسالبة من خلال وسائل عنصرية رخيصة، والحديث عنهم كمجموعة من اللاجئين الإريتريين للتشويش على هويتهم السودانية في مدينة عرفت بأنها تقطنها باستمرار مكونات تهاجر إليها من بقية أنحاء السودان للعمل، وخلق انطباعاً بأن هذا المكون في جملته غير سوداني.
وهنا، سنجد أن العقول الخبيثة في اللجنة الأمنية التي دبرت الفتنة والاقتتال الأهلي بهدف استبقاء السلطة على المدينة في يدها، أو في يد المتحالفين معها، وراء تلك الشيطنة؛ أي إن هناك صناعة ثقيلة لإشاعات وترويج لأكاذيب من طرف عناصر ورموز نظام البشير وحلفائهم في اللجة الأمنية للبحر الأحمر وبعض العناصر في مكونات المدينة ضد بني عامر والحباب، مستفيدين من تماثل الوضع الطبقي للنوبة وبني عامر وتجاور المكونين في أحياء شعبية فقيرة.
استغل راسمو سياسات الفتنة في مدينة بورتسودان؛ في اللجنة الأمنية عبر ترويجهم لدعايات شيطنة بني عامر والحباب سرديات شعبوية لبعض (البجا – البداويت) تضرب على وتر حساسية حبهم المقدس للأرض، في سياق قبائلي لا ينظر إليه عامة البداويت إلا وفق دلالة سيادية، تجعلهم مستنفرين في ما يتوهمونه تهديداً لسيادتهم على أرضهم من الغرباء، كما لو أن أرضهم هذه ليست داخل الحدود السودانية، وكما لو أنه ليس هناك حكومة مركزية يرجع إليها الفصل في القرارات السياسية والسيادية التي تفصل في الحكم بين المواطنين!
وفي هذا الإطار، نشط المجلس الأعلى لنظارات البجا بقيادة الناظر محمد الأمين ترك، وبعض القيادات فيه من أمثال سيد أبو آمنة عبر ندوات عديدة ومؤتمرات مختلفة ومقالات، في ترويج يصف، عبر إيحاءات خبيثة، بني عامر والحباب بأنهم مجموعة من اللاجئين الإريتريين تغلغلوا في شرق السودان وتبوأوا مناصب في الشرطة والخدمة المدنية وديوان الحكومة، وأنهم لا يستحقون ذلك (وكأنه ليس لبني عامر والحباب أراض سودانية عزيزة تمتد على 5 آلاف كيلومتر من شرق السودان داخل الخريطة السياسية والسيادية للوطن)، كما يصفون ناشطيهم السياسيين على أنهم بقايا حركات الجهاد الإريترية المعارضة لنظام الرئيس الإريتري أسياس أفورقي في إطار مزايدات سياسية تنظر لاستحقاق الأرض في شرق السودان من منظور قبائلي بهدف حيازة مكاسب سياسية لمنسوبي المجلس الأعلى وقياداته في المناصب الكبرى للمدن الرئيسة بشرق السودان على حساب إقصاء المكون الأصيل، بما يكرس الأوتوقراطية والعنصرية والإقصاء، وهي بطبيعة الحال ممارسات لن تؤدي في نهاية المطاف إلا إلى صراعات إلغاء بينية، وستؤدي في النهاية إلى للحرب الأهلية في منطقة جيوسياسية يسيل لها لعاب لاعبين إقليميين ودوليين، نظراً لحيويتها الاستراتيجية.
كما أن الحقيقة تكمن في أن راسمي سياسات الفتنة والمتواطئين معهم من أنصار ما يسمى المجلس الأعلى لنظارات البجا؛ يدركون أن كثافة نشاط وحيوية مكون بني عامر والحباب في الحياة العامة لمدن شرق السودان تستوعب طاقات كبيرة منهم في سوق العمل والمؤسسات الخاصة، بما يجعل ذلك المكون مرشحاً قوياً ورقما صعباً لا يمكن تجاوزه أو إقصاؤه من إدارة الشراكة الوطنية لشرق السودان، إلى جانب المكونات الأخرى في ظل السودان الجديد ما بعد الثورة.
لهذا كله، ومن أجل تحييد كتلة بني عامر والحباب، التي تميزت بالتسامح وحب السلام والوداعة، تسهر اللجنة الأمنية ومن خلفها رموز نظام البشير وحلفاؤهم، وقادة ما يسمى المجلس الأعلى لنظارات البجا ضمن أهداف أخرى، على شيطنتها، ويروجون بخبث لها بأساليب تمارس في مؤسسات المجتمع وفضائه العام؛ عبر سياسات منظمة ودعاية جبارة تؤكد، حتى الآن، أن الطبقة السياسية في شرق السودان هي مزيج تافه من الأوتوقراطية والقبائلية رعاه نظام البشير 30 عاماً.
وحين تتحول سمات مكون كبير في شرق السودان عرف تاريخياً بتسامحه ووداعته وحبه السلام، تحت ضغوط الاقتتال الأهلي الواقعة عليه والخضوع المستمر إلى إكراهات الدفاع عن النفس، ثم إلى يأس من أي عدالة حقيقية من الدولة لصالحه على مدى ثلاث سنوات، يمكننا أن نفسر طبيعة الاستجابات العنيفة التي ستعتري هذا المكون نتيجة للضغط الذي يقع عليه عبر تواطؤ الجميع ضده في مدينة عاث فيها نظام البشير 30 سنة من تسييس الإدارة الأهلية وإيقاظ النعرات القبلية بين مكوناتها.
وهكذا، سنجد أن الهدف من الناشطين في فتنة شيطنة بني عامر والحباب شرق السودان ومدينة بورتسودان على وجه الخصوص، عبر أداء اللجنة الأمنية وعبر نشاط ما يسمى المجلس الأعلى لنظارات البجا، كسر إرادة مكون سوداني أصيل (بني عامر والحباب) ومحاولة استضعافه ونفيه من حظيرة الوطن والهوية الوطنية السودانية بالإشاعات والأكاذيب (وكأن الغالبية الساحقة من مناطق جنوب طوكر المقفولة لمكون بني عامر والحباب، وهي مناطق تبدأ أسماؤها بحرف العين الذي لا يستطيع أن ينطقه مكون البداويت من البجا لأنه ليس موجود في لغتهم، مناطق غير معروفة للسودانيين أنها مناطق بني عامر والحباب السودانية بسبب تلك الدعاية السوداء الرخيصة أو كأنها مناطق فائضة عن خريطة الوطن وحدوده السيادية.
التواطؤ وغياب التعاطف الشعبي
واليوم، حين لا نرى من مكونات مدينة المهاجرين هذه (بورتسودان)، تعاطفاً مع مكون بني عامر والحباب حيال ما يتعرضون له من استهداف اللجنة الأمنية لحيهم الأكبر في المدينة: (دار النعيم) الذي لا يزال محاصراً، وقتلهم على الهوية وحرق بيوت أقلياتهم في الأحياء الأخرى كحي الميرغنية (الذي تسكنه غالبية ساحقة من مكون البداويت)، وحين نرى صمت كثيرين من أهل مدينة بورتسودان الأصليين (البجا – البداويت) على ما ينشط فيه ما يسمى المجلس الأعلى لنظارات البجا من استمرار شيطنته فيما هم يدركون جيداً أن ما يفعله المجلس بقيادة “الناظر ترك” يعتبر خيانةً للعيش المشترك وتنكراً للحقوق واستهتاراً بالمواطنة، وتعامياً على حقيقة الهوية البجاوية الواحدة في الزي والحياة العامة والعادات المشتركة التي تجمعهم؛ سندرك إلى أي مدى أصبحت مدينة بورتسودان، بعد 30 سنة من تدمير نسيجها الوطني والسكاني بالنزعات القبائلية وتسييس الإدارة الأهلية من طرف النظام المجرم للجنرال عمر البشير؛ بالفعل مدينة عنصرية قاتلة عبر سكوت مكوناتها عما يجري من قتل وتشريد وحرق لأكثر من 4 آلاف منزل ونهبها لمكون بني عامر والحباب على مدى 3 سنوات.
ولقد صاحب هذه الشيطنة والنفي من هوية المواطنة لمكون بني عامر والحباب؛ نفي آخر من نظيره البجا في الدعاية السوداء لقادة ما يسمى المجلس الأعلى لنظارات البجا ضدهم، حيث بدأوا يعملون بالتواطؤ مع والي ولاية البحر الأحمر على مضايقة أبناء مكون بني عامر والحباب في بعض الشركات والمؤسسات في المدينة وأماكن التعدين وإفراغهم منها بالفصل أو النقل، بحجة أن الأرض ملك لمكون (البجا – البداويت) ولا يحق لهم العمل في الشركات التي تعمل في أرضهم (وهذه الأرض المقصودة هي أماكن الشركات والمطار في بورتسودان)، وهناك مستندات وشهود وضحايا، تثبت هذه الأفعال التي يتبناها ما يسمى المجلس الأعلى لنظارات البجا من وراء ستار ويغض الوالي عنها الطرف.
أكبر دليل على تواطؤ والي البحر الأحمر عبدالله شنقراي مع المجلس الأعلى لنظارات البجا؛ تنظيم حكومة الوالي لورقة نقاش رسمية عن التعايش السلمي دعت لها حكومة ولاية البحر الأحمر كافة مكونات مدينة بورتسودان، حيث جاء في بعض بنودها بندان يدعوان إلى “مراجعة الهوية الوطنية لبني عامر والحباب من دون كافة مواطني المدينة، وتحديد حدود أراضي قبائلهم في شرق السودان” في بادرة عنصرية خطيرة لا يمكن أن تغفر أبداً، ناهيك بأن تكون سياسة رسمية للحكومة، فهذان البندان اللذان كتباً في ورقة التعايش السلمي هما من بنود (مقررات مؤتمر سنكات) الذي عقده المجلس الأعلى لنظارات البجا عام 2020.
ولعل أوضح حدث لبيان تواطؤ والي البحر الأحمر مع ما يسمى المجلس الأعلى لنظارات البجا ظهور الوالي عبدالله شنقراي مع الناظر ترك وقول الأخير عنه، “هذا والينا إلى نهاية المرحلة الانتقالية، ولن يستطيع حتى رئيس الوزراء عبدالله حمدوك أن يعزله ولو أراد” في تحدٍ سافر لإرادة وسيادة الدولة.
ولعل أبرز المؤشرات التي تدل على التواطؤ على مكون بني عامر والحباب عبر إرادة خبيثة لشيطنتهم ومحاولة إلغاء هويتهم الوطنية، ما شهدناه في المؤتمر الصحافي لوزير الداخلية عز الدين الشيخ (وهو من سكان كسلا بالإقليم الشرقي) الذي جاء على رأس وفد وزاري من الخرطوم للوقوف على الأوضاع الأمنية بعد حادثة التفجير الإرهابي لنادي الأمير بحي سلبونا ببورتسودان، السبت قبل الماضي، حيث رأينا الوزير ترحم ترحماً مستحقاً على ضحايا وشهداء التفجير الإرهابي، لكنه نسي، وربما تناسى، القتيل الشيخ صالح همد محمد (من مكون بني عامر والحباب) الذي تم إنزاله من حافلة مواصلات من بين جميع ركابها؛ على يد عصابة للنيقرز وتم ذبحه بعد إنزاله في المكان عينه، في صباح ذات اليوم الذي حدث فيه التفجير مساءً بنادي الأمير بحي سلبونا!
ربما نعذر وزير الداخلية في تصرفه هذا وعدم ترحمه على الضحية صالح همد محمد، إذا كان الوزير قد قرأ وصدق بيان اللجنة الأمنية للبحر الأحمر الذي جاء فيه “أن مقتل صالح همد محمد حدث إثر شجار وقع بين ركاب الحافلة!”، فيما أخبرني ابن أخيه أن عمه تم إنزاله من الحافلة وقتلوه أمام الناس وعلى بعد 500 متر من نقطة ارتكاز القوات الأمنية وهي تنظر، وهي الرواية التي يتداولها الناس بخصوص هذا الحدث.
هكذا تكذب اللجنة الأمنية بوضوح في بياناتها حول مجريات أحداث الفتنة حتى حول رواية حادثة قتل لمواطن بريء شاهدها العشرات أمام أعينهم، وهي بالتأكيد لجنة كاذبة في بياناتها التي ترفعها إلى مرؤوسيها دوائر المركز العليا في الخرطوم.
ولقد عاد الوفد الوزاري إلى الخرطوم دون أن تترتب على زيارته أي تغيير، فيما الشواهد كلها تدل على تورط اللجنة الأمنية واستهدافها لمكون بني عامر والحباب عبر محاولة الوقيعة بينهم وبين مكون النوبة في المدينة، مستخدمةً عصابات “النيقرز” التابعة لجهاز الأمن. وإذا كان واضحاً دور اللجنة الأمنية ورئيسها؛ فكيف يمكننا تفسير موقف الوفد الوزاري دون أي فك لحصار حي دار النعيم مثلاً؟
وعلى الرغم من توصية مجلس شركاء المرحلة الانتقالية بإقالة جميع الولاة بحلول يوم 5 أغسطس (آب)، فإننا نظن أن كل يوم يمر على مدينة بورتسودان إلى يوم الموعد المحدد هذا لن يمر بخير أبداً.
ضبط النفس وسط الحصار
لا يزال مكون بني عامر والحباب يمارس ضبطاً للنفس حيال ما يحاك له من مؤامرات وفتن عبر اللجنة الأمنية لولاية البحر الأحمر، وممارسات شيطنته، والطعن في مواطنته عبر ما يسمى المجلس الأعلى لنظارات البجا، وهذا المكون (بني عامر والحباب)، إذ يمارس ضبط النفس، فإنما يفعل ذلك حفاظاً على السلم الأهلي بالامتناع عن الانجرار إلى الاستفزاز، مع قدرته الكاملة على الرد بالمثل ضد أي مكون يحاول النيل منه.
لكل ذلك، نطالب الحكومة السودانية بقيادة عبدالله حمدوك، بمعرفة هذه الحقائق عن مكون بني عامر والحباب، وطبيعة الوضع الذي تتم محاصرته فيه من طرف اللجنة الأمنية في بورتسودان، وعن المؤامرة الكبرى التي تدبر له من أطراف كثيرة في شرق السودان؛ نريد له أن يعرف ذلك بعيداً عن الدعايات المغرضة، لأن الوقوف بجانب المظلوم لا يعتبر انحيازاً، بل إحقاق للحق وقيام بالواجب، وهذا المكون حتى الآن لم ينل حقه مما حاق به من ظلم، فحتى الآن تظل هناك حاجة ماسة إلى الأسباب التي تقطع الظلم وتحقق العدل في المدينة وتقتص من كل مجرم ولغ في دماء الأبرياء من كافة المكونات، وهذا مما لا يتم إلا بالمحاكمات بعد التحقيقات التي لم يشرع فيها حتى الآن بصورة جادة، ولكن سيجيء الوقت الذي يتم فيه القصاص من كافة المجرمين، طال الزمن أم قصر.
أمس السبت؛ أرسلت الحكومة وفداً وزارياً يضم خالد عمر، وزير شؤون رئاسة الوزراء، ومريم المهدي، وزيرة الخارجية، ووزير النقل، للتفاوض مع الناظر ترك، رئيس ما يسمى المجلس الأعلى لنظارات البجا، بعد أن كان أنصاره قد أغلقوا الطريق القومي بين ميناء (بورتسودان – الخرطوم)، ثم هددوا بإغلاقه مرةً أخرى في خامس يوم عيد الأضحى المقبل.
وفي تقديرنا، إن هذه المفاوضات لن تجدي نفعاً مع الناظر ترك ومجلسه، وستعود إلى العاصمة بلا طائل يذكر، لأن المنطق القبائلي السياسي الذي تقوم عليه رؤية ما يسمى المجلس الأعلى لنظارات البجا؛ هي أن شرق السودان ملك للناظر محمد الأمين ترك، فهو يقوم على منطق الحيازة القبائلي القروسطي الذي لا علاقة له بقيم المواطنة ولا الحقوق التي يكفلها الدستور، ولا سيادة الدولة، وبما يعكس بوضوح أن هذا المنطق لا يمكن لأي دولة، ناهيك بحكومة ثورة، أن تتعاطى معه لأنه لا يقوم على قواعد السياسة، حيث ظل قادة ما يسمى المجلس الأعلى يهددون قادة مسار شرق السودان والحكومة بتفجير السلم الأهلي إذا تم تنفيذ المسار، وبمنع قادة أحزاب المسار من دخول مدن شرق السودان! فيما الحقيقة أن شرق السودان يضم ست نظارات للبجا؛ خمس منها ليست منضوية تحت مجلس الناظر ترك، ولقد اعتمدت الحكومة أخيراً مجلساً شرعياً جديداً يسمى المجلس الأعلى للإدارة الأهلية بشرق السودان برئاسة الناظر الحكيم علي محمود وعضوية 17 كياناً أهلياً بين نظارة وعمودية.
إن كل هذه التداعيات الخطيرة لأوضاع شرق السودان وكياناته السياسية بعد الثورة في ممارسة السياسة عبر منظور قبائلي من مواريث النظام البائد الذي سمم الحياة السياسية ودمرها على مدى 30 عاماً، لهذا فإن تعاطي حكومة الثورة مع كيانات تعتمد الطريقة ذاتها التي كان يمارسها نظام البشير أمر لا طائل منه، ولن يأتي بخير!
نقلا عن صحيفة ” اندبندنت عربية ” الإلكترونية.