برغم أن الزخم الإعلامي كان يركز على أن مجموعة نادي باريس ستعفي ديونها على السودان بعد أن وصل نقطة اتخاذ القرار في مبادرة الهيبك وأنها ستحث الدائنين الآخرين على إعفاء الديون ليصل حجم الإعفاء إلى خمسين مليار دولار ويتبقى فقط من ديون السودان ٦ مليارات؛ الا ان مجموعة نادي باريس لم تف بما وعدت به.. وإذا نظرنا إلى الحقائق على أرض الواقع نجد أنه وفق التقرير السنوي لبنك السودان المركزي تبلغ ديون السودان لنادي باريس عام ٢٠١٨ مبلغ ١٥.٧ مليار دولار.. وفي عام ٢٠١٩ تبلغ ١٦.٢ مليار دولار ولكن حاليا نادي باريس فاوض السودان على أساس أن ديونه في عام ٢٠٢١ هي ٢٣.٦ مليار دولار أي بزيادة تبلغ ٧.٤ مليار عن عام ٢٠١٩؛ وحسب تقرير البنك المركزي فإن اصل ديون نادي باريس على السودان هي ٣.٢ مليار دولار ولكن الفوائد التعاقدية والفوائد التاخيرية حولتها في عام ٢٠٢١ إلى ٢٣.٦ مليار دولار أي أن الفوائد هي ٢٠ مليار و٤٠٠ مليون دولار.
لقد اعفي نادي باريس من هذه الفوائد ١٤.١ مليار وترك باقيها لتضاف لأصل الدين ليصبح السودان بعد الإعفاء مطلوب لنادي باريس بمبلغ ٩.٥ مليار دولار تتم إعادة جدولتها مع إضافة الفوائد السنوية ليصبح اصل الدين الجديد ٩.٥ مليار بدلا عن ٣.٢ مليار الأصل السابق ويبدأ دوران ساقية ديون نادي باريس وفوائدها التعاقدية والتاخيريية من جديد ..
والسؤال هو ذا كان اصل ديون نادي باريس على السودان هو ٣.٢ مليار فإن السودان مطلوب لنادي باريس اليوم بثلاثة أضعاف هذا المبلغ زائدا الفوائد.
ومن الملاحظ أن دول نادي باريس هي الجهة الوحيدة التي أعطت التزاما كاملا بإعفاء ديون السودان مقابل أن ينفذ السودان كامل شروط صندوق النقد الدولي .. فلماذا لم تعف هذه الدول الفوائد الناجمة عن الجزاءات وتبقى على أصل الدين؟ فديون نادي باريس للسودان مستمرة وديون السودان للمؤسسات الدولية في تزايد بفعل إعادة الجدولة بعد القروض التجسيرية وقد بدأت ساقيتها تدور من جديد..
والدول الأخرى خارج نادي باريس لم تعلن بعد كم ستعفي من ديونها.. والديون التجارية وقدرها ٦ مليار دولار لا تعفي..
ونحن نقول مرحبا بإعفاء اي قدر من الديون واي جهود تبذل في هذا الاتجاه ولكن مع مراعاة الثمن المطلوب دفعه وتاثيراته على الاقتصاد وعلى المواطن إذ أن السودان لم يعد يمتلك قراره الاقتصادي وكان الثمن هو وضع السودان تحت الهيمنة الكاملة لصندوق النقد الدولي وروشتته المدمرة لاقتصاديات كل البلدان التي طبقتها ..
ان الطاقم الاقتصادي للحكومة لا يقول كامل الحقيقة للشعب وبتفاصيلها.. ويريد فقط أن يفهم الشعب أن كل الديون قد ألغيت لتبرير سياسات الخضوع لروشتة صندوق النقد الدولي والاملاءات الخارجية.. وهذه السياسة سوف ترتد على الحكومة عندما يدرك الشعب انه قد فقد الكثير ولم ينل إلا الوعود والمزيد من معدلات الفقر والبطالة كما حدث في كل البلدان التي أبلغت بأنها قد وصلت لنقطة القرار في الهيبك؛ وان ديون نادي باريس برغم الإعفاء الجزئي الا ان ساقيتها قد بدأت تدور من جديد.. ونؤكد في الختام أن الحل لا يكون إلا بتحقيق سياسة حشد الموارد الداخلية التي هي طريق التنمية الاقتصادية الشاملة والالتفات إلى ما لدينا من إمكانيات واستغلالها الاستغلال الأمثل وتأكيد استقلالية السودان وحقه في إدارة اقتصاده الوطني وإعادة التفاوض مع المؤسسات الدولية على أساس ذلك..
هند التجاني عضو اللجنة القيادية للتحالف الاقتصادي لقوى ثورة ديسمبر المجيدة