يناضل كثير من السودانيين من المهد إلى اللحد، يناضلون ضد الانظمة الشمولية، حتى اذا اسقطوها وجاءت الانظمة الدينقراطية، ناضلوا ايضا ضد الأنظمة الديمقراطية. يناضلون من أجل النقابات ثم بعد انتخاب النقابات يناضلون من أجل اسقاطها، يناضلون من أجل الحرية، وبعد الوصول إليها يناضلون من أجل حرمان البعض من هذه الحرية، أهم مناضلون مدى (الحياة ).
كذلك هناك أحزاب سياسية معرقلة للديمقراطية (مدى الحياة)، تناضل من أجل الديمقراطية ولا تهتم بتوطينها داخلها، تتحدث عن الشفافية والمؤسسية والحريات، وهي فاقدة لها جميعها.
لن يحظى المستقبل السياسي السوداني بفرص نجاح حقيقية اذا استمرت التنظيمات والكيانات السياسية السودانية في شكلها الراهن، الشكل الذي يصادر المؤسسية ويخنق الديمقراطية داخلها، ويهدم الآخر ويعرقل نجاحاته.
غياب المؤسسية والوعي الديمقراطي داخل التنظيمات السياسية السودانية هو السبب المباشر في فشل الحكم الديمقراطي ثلاث مرات، وفي استمرار صراع عبثي حول المصالح الحزبية الضيقة، قاد بعض هذه الأحزاب في مرحلة ما للقفز على السلطة بالانقلاب.
الأنظمة الحزبية الشمولية التي حكمت البلاد بعد ١٩٦٩ و١٩٨٩ لم تختلف عن النظام العسكري الذي حكم في ١٩٥٨، جميعها كانت أنظمة دكتاتورية لا تمثل اشواق الجماهير ولا تعبر عنها، مما قاد إلى حالة ( انفصام وطني )، أدت مع السنوات إلى إهدار القدرات القومية وتخلف التنمية وانخفاض الناتج القومي ووصول السودان اليوم إلى شفا الهاوية.
كثير من السودانيين الذين انهمكوا في العمل العام والنضال السياسي، ظلوا على الدوام ينجحون في إيقاد الثورات وفي الوصول بها إلى الانتصار، ثم ظلوا على الدوام يغرقون في شبر الماء الذي يوجد في شاطيء دولة الديمقراطية بعد أن قطعوا بحر الشمولية الكامل.
ناضلوا وكافحوا من اجل التغيير والعدالة الاجتماعية والديمقراطية بشكل عظيم ومثالي ضد الدكتاتوريات، ثم حطموا كل شيء في فترات الحكم الديمقراطي، هؤلاء المناضلين اكتسبوا صفة (مناضل دائم) لذلك لم يستوعبوا تغيير الظروف والواقع بعد الانتخابات العامة في الديمقراطيات الثلاث، فعملوا ضد النظام الديمقراطي ورفعوا رايات النضال ضده وضد ما كانوا يناضلون لاجله، فاصبحوا مناضلين بلا هوية، صم بكم عمي فهم لا يبصرون.
اليوم يناضل مجددا الكثير من هؤلاء ضد حكومة الفترة الاتتقالية، يعاملونها كما يعاملون حكومة البشير الشمولية، وسيوردونها موارد الهلاك كما فعلوا بحكومات الديمقراطية الثلاث السابقات، ويفوتون فرصة جديدة على بلادنا في الوصول إلى الديمقراطية المستدامة.
إصلاح العقيدة السياسية في الأحزاب وتطوير مؤسساتها وديمقراطيتها، وايقاظ المناضلين (مدى الحياة) من غيبوبتهم، شرطان لا غنى عنهما في سبيل وصول بلادنا إلى وطن العدالة والحرية والديمقراطية.
يوسف السندي
sondy25@gmail.com