الشعوب تستمد قوتها من إيمانها بالتغيير ومن احساسها القوي بأن الأمل مازال موجودا وان الواقع يمكن أن يكون افضل، بينما يهزم الشعوب احساسها بالعجز عن تحقيق هذه الآمال وعن بلوغ أهداف التغيير.
الكثيرون في فترة الثورة كان يمنون الشعب الاماني، ثم جاء اعتصام القيادة فكان المتحدثون يجدون انفسهم وهم يطلون على هذه الآلاف المؤلفة المتعطشة للغد الاخضر، الآلاف التي تهز الأرض هزا وتملأ الفضاء بهتافها المجلل، فاستسلموا لسلطة اللحظة وانداحوا يمنون الجماهير بما يشتهون، ويصورون له السودان وكأنه سوف يتحول بين ليلة وضحاها إلى جنة عدن في الارض.
نسى الكثيرون أن السودان قبل سقوط البسير وصل مرحلة متقدمة من الانهيار الاقتصادي والعجز والشلل شبه التام في الميزانية، وأن نظام البشير لم يترك سوى خزينة فارغة على عروشها، وأن ملء هذه الخزينة مجددا عملا مضنيا وشاقا ويحتاج لسنوات ولجهود مخلصة في القيادة والإنتاج.
الشعوب تتعلم من دروسها، والشعب السوداني تعلم الكثير من ثلاث أنظمة اتوقراطية حكمت ثلاث ارباع التاريخ السوداني منذ الاستقلال إلى اليوم، تعلم أن النظام الشمولي لا يحترم آدمية الإنسان ولا يراعي حرمة الأوطان ولا الأديان ولا يوجد لديه وازع اخلاقي، ويمكنه من أجل الحفاظ على كرسي الحكم أن يغترف جميع الموبقات.
لكن الدرس الذي لم يتعلمه الشعب بعد هو درس الدفاع عن النظام الديمقراطي، اذا اراد الشعب السوداني غدا مشرقا ومستقبلا متطورا فطريقه لذلك هو حماية النظام الديمقراطي، بغض النظر عن رأي الشعب في الأحزاب السياسية وفي الحاكم الذي يتم انتخابه، فإن حماية هذا النظام المنتخب يجب أن يكون فوق كل اعتبار. استقرار النظام الديمقراطي يعني استقرار البيئة المناسبة لمحاربة الفساد والمحسوبية، يعني استقرار حكم القانون الذي يجعل الوزير والغفير امام القانون واحد، لا فرق بينهما، ومن صدق فاز.
ان شعر البعض بأن الثورة طيلة شهورها الطويلة كانت صعبة ومليئة بحالات الكر والفر والنجاح والهزيمة والدموع والفرح، فإن الدفاع عن الديمقراطية أصعب وأقسى، لانه يجبرك على حماية من تكره، والدفاع عن كرسي حكم من تبغض، لا لشيء إلا لانتظار ان يقول الشعب كلمته فيه بنهاية الفترة الانتخابية.
ياشعبنا، أمامك تحديات جسيمة وظروف ضاغطة وصعبة وواقع قاسي، ولكن تأكد ان احبطتك هذه الظروف وقادتك للتخلي عن الدفاع عن حلمك في الغد الاخضر الديمقراطي، فأن هذا سيقود كل شيء للهاوية، ولن تجني من الثورة الا السراب.
لقد أخطأنا حين تركنا الديمقراطية تسقط بعد الثورات في يد الشموليين، ولا بد ان نتعلم من هذا الخطا، لابد أن نندم عليه وسقراط يقول (قلة الندم عند الخطأ مرض لا دواء له)، ان ندمنا لن نفرط مرة أخرى في النظام الديمقراطي.
يوسف السندي
sondy25@gmail.com