رحلتي إلى ٱخر الدنيا-احترار الزمردة

الفصل الثالث

7

عندما وصلت مدينتنا الجميلة سياتل قبل أشهر كان الشتاء يسحب ذيوله تدريجيا رغم البرد المقيم والمطر الصبيب ويبسط الربيع بهاءه .. الأشجار تورق والنباتات تزهر بزفة ألوان كما كتب الكابلي عن جبل مرة وشدا أبوعركي.
كان المطر يفرض علي ارتداء المعطف بشكل دائم والجوارب الطويلة والملابس القاتمة الدفيئة فيما ينهمر المطر أحيانا يومين متتاليين كأنه خشم قربة اندلق بقوة وتجنبا للبلل اكتفينا بالفرجة على تساقطه عبر الزجاج.
قبل فترة حل الصيف وتوارت السحب وبسطت الشمس لهيبها فانتهز الخلق هذه الأجواء الحامية وتدفقوا تجاه الحدائق العامة الظليلة المعدة بكل حاجيات المرتادين وانتشروا على حواف البحيرات الوادعة صفحاتها وسواحل الخلجان الممتدة من المحيط الهادئ وهم بما خف من إزار رجالا ونساء وأطفالا وأحيانا دونه.
وبما أن الشيء بالشيء يذكر رغم تباعد المجالات وربما تعارضها فقد ألح في خاطري من لوحة المولد لشاعرنا الكبير محمد مهدي المجذوب:

.. بجموع تلتقي في موسم
والخيام قد تبرجن
وأعلن الهيام

زاد الصيف معدل لهيبه هذه المرة وظل يرفع وتائره حتى إن درجات الحرارة سجلت في 28 يونيو المنصرف

43.7

وهي أعلى درجة حرارة في تاريخ المدينة الخضراء السندسية رئة ولاية واشنطن المتاخمة كندا كحدث تاريخي لافت.
قد يكون هذا المستوى عاديا في أجواء السودان أما بالمقاييس المعاشة هنا فعبارة عن فرن متقد بكتل السنط الضخمة ما يجعل سكان الزمردة يزدحمون على السواحل رغم تكشيرة كرونا وعربدتها.
عالميا يشتهر وادي الموت بالولايات المتحدة بأنه الأشد حرارة بحسبانه الأعمق في نصف الكرة الغربي فيما تشب ألسنة النيران عبر الغابات المديدة وتلتهمها.
عربيا أعلى الاحترارات تصيب ليبيا والكويت التي صهرت فيها الرمضاء والصهد معادن بعض المركبات حيث ارتفعت الحرارة فيها 11.3 مئوية في 7 سنوات فيما سجل العراق هذا العام 50 درجة بالتمام والكمال ما اقتضى تعطيل الدوائر الحكومية إيثارا لسلامة المواطنين’ أما قطر فبادرت بتكييف أول شارع في العالم في عاصمتها الدوحة.
في السودان تتعامد الشمس بحكم تمركز مدار السرطان خلال أواخر يونيو على وادي حلفا وبحيرة النوبة وأسوان ما يصيب بعض الناس بضربات الشمس التي قد تكون صادمة وفي حالات نادرة قاتلة فيما قد تتراجع درجات الحرارة شتاء إلى الحد الصفري ما يعرض المنطقة لموجة برد قاسية.
في خضم هذه التقلبات المناخية تتأرجح أمزجة الناس وأنشطتهم وهم يتوقون لاعتدال الطقس فقد صفا جو ربيعي ذات مرة في الرياض وغطى الغيم قبة السماء وصدح الهواء العليل يوشوش في تناغم فقال أحد جلساء مقهى شعبي متمنيا:.
ما كان يتظبط كدة طوالي؟!
لكنه قد لا يعلم أن تقلب الأحوال على امتداد عمر الكون 14 مليار سنة ينطوي على حكم وأي حكم؟!

صفحة أشواط العمر في فيس
جريدة التحرير الإلكترونية

سياتل