في المسلسل التلفزيوني الأمريكي “الموتى السائرون”، يتخفف الإنسان من عبء الحياة الحديثة في بعدها الرأسمالي المتعولم. فالحياة تتوقف فعلياً، وكل منجز بشري حديث يمضي إلى زوال، ويبدو العالم كأنه يعود إلى بدايات التاريخ حين كان على الإنسان أن يصارع الوحوش والطبيعة لأجل البقاء.
الإنسان في هذا العمل الملحمي يواجه وحوش طبيعته البشرية أولاً، سواء أكان ذلك بفعل الموت أم بعودة الأموات إلى الحياة، أم عن طريق الصراع الوحشي بين الأحياء أنفسهم الذي يؤدي بدوره إلى موتى يعودون من الموت سائرين بحثاً عن غذاء يتوافر لهم في دماءالأحياء ولحومهم؛ دورة صراع مأساوية بين الأحياء ضد الأحياءـ وبين الأحياء ضد الأموات، وبين الأحياء ضد الطبيعة البشرية بكل تناقضاتها العاطفية والرغبوية.
فكرة الموتى الأحياء المعروفة بـ “الزومبي” جرى تناولها في كثير من الأفلام والأعمال الدرامية، ويكاد لا يمضي عام دون أن يتم إنتاج فلم أو اثنين يتناولان “حدودة زومبي”؛ وهي لا تختلف كثيراً عن صورة “البعاتي” في المخيلة الشعبية في السودان، إذ يعود الميت بعد موته إلى الحياة ويسعى إلى إفزاع الناس كما في أغلب الأعمال السينمائية، أو للانتقام والاقتصاص كما في بعض الأفلام والأقاصيص الشعبية من نسخة “البعاتي”، ذاكرة ما وإن كانت مشوشة تتوافر للزومبي و”البعاتي” في أغلب هذه الأعمال، أما في مسلسل “الموتى السائرون” فالأمر يختلف، إذ يقضي فعل العود اللاطبيعي إلى الحياة على كل أثر إنساني لدى هؤلاء العائدين، فما هم ليسوا سوى كائنات متوحشة يقودها العمى العقلي والموات الروحي والنفسي، كائنات أقل ما يمكن أن توصف به أنها فاقدة للإرادة، فهي غير مسؤولة وبائسة.
بعكس أفلام “الزومبي” السائدة التي تراهن على إعلاء ثيمة الرعب؛ يناقش مسلسل “الموتى السائرون” قيماً إنسانية ضرورية، على رأسها مفهوم الأسرة لدى الأمريكيين، الذي يبدو ملتبساً و”مشيطناً” في كثير من الكتابات العربية؛ إذ تراهن أحداث العمل على الترابط الأسري ومدى قوته في مقاومة كارثة “انتهاء العالم”، كما يناقش المسلسل مفاهيم القيادة، والتضحية، والتسامح، ويضع بصورة عامة كل القيم الإنسانية النبيلة في حيز الامتحان حتى يتحقق فعل النجاح عن طريق السيرورة الحدثية لدراما المسلسل، الذي تمتد أجزاؤه إلى سبعة أجزاء ويتوقع إنتاج جزء ثامن خلال هذا العام.
الأمل والإيمان والحب والنضال، أهم ما يكسبه الأحياء في صراعهم ضد الأموات، وقبل ذلك في صراعهم ضد بشريتهم التي نالها الكثير من التشويه والتعفن خلال سنوات ما قبل النهاية.