نهنيء ابتداءا قادة وضباط وجنود الجيش السوداني بعيده السابع والستين، ونتمنى أن يكون الجيش السوداني في المستقبل جيشا منضبطا بمباديء الحكم المدني الديمقراطي ومدافعا وحاميا لها.
يحتل الجيش السوداني في تصنيف globalfirepower المركز ٧٧ من بين ١٤٠ دولة، وللمقارنة مع الجيران تحتل مصر المركز ال ١٣ وإثيوبيا المركز ٦٦ وتشاد المركز ٩٠ .
الجيش السوداني خاض حربا سياسية طويلة الأمد مع المتمردين على الدولة المركزية في الجنوب والغرب والشرق، وهي معارك استنزفت مقدرات البلاد من بشر وموارد، حيث يقدر عدد ضحايا حرب الجنوب باثنين مليون شخص، بينما تشير التقديرات الأممية إلى أن حرب دارفور قتلت أكثر من ٣٠٠ الف سوداني، وهذه الأعداد غير مسبوقة في العالم في اي حرب في عصرها، وهي أكثر ارقام لضحايا حرب في العالم بعد الحرب العالمية.
سياسيا وصل ضباط الجيش السوداني إلى سدة الحكم في السودان أكثر من المدنيين، إذ حكم العسكر السودان لمدة ٥٥ سنة منذ الاستقلال حتى اليوم (شاملا فترة سوار الذهب والبرهان الراهنة)، بينما لم يتجاوز حكم المدنيين للسودان مدة عشرة سنوات.
فترة حكم العسكر الطويلة للسودان تجعلهم يتحملون المسؤلية عن مجمل الأوضاع السياسية التي حدثت في البلاد، وهذا يجعلهم اليوم بعد ثورة ديسمبر تحت عبء الحمولة التاريخية للجيش وتدخله السافر في السياسة ودعمه الطويل المدى للحكام الشموليين، وهي حمولة تجعل الجيش السوداني في خانة المتهم غير الموثوق به من قبل المدنيين في السودان، ولا يمكن لومهم في ذلك.
من ناحية أخرى يجب التسليم بأن وصول الجيش للحكم لم يكن صنيعة عسكرية خالصة وإنما كان دوما بسبب المدنيين السياسيين، حيث تم تسليم السلطة للفريق ابراهيم عبود بواسطة الاميرلاي عبدالله خليل رئيس الوزراء وأمين عام حزب الأمة في ١٩٥٨، بينما كان انقلاب نميري بتدبير من الحزب الشيوعي والقوميون العرب في ١٩٦٩، أما حكم البشير فقد كان بتدبير من حزب الجبهة الإسلامية القومية في ١٩٨٩.
هذه الحقيقة تجعل المدنيين السياسيين يتحملون ذات الوزر الذي يتحمله الجيش في تخريب الحياة السياسية وإضاعة الديمقراطية، وهي حقيقة يجب أن يواجهها السياسيون بشجاعة، وينتقدوها من أجل تفاديها مستقبلا.
كدولة عالم ثالث يبدو أن الواقع المعقد في السودان، يمثل تحديا حقيقيا للحكم المدني المتكامل، تفشي الأمية، الجهل، الفقر، الحروب، الاختلالات الاقتصادية، الاختلالات الهيكلية في بنية الخدمة المدنية، سيادة الثقافة الأبوية، وارتفاع مظاهر العصبية والعرقية، كلها مهددات تواجه الحكم المدني الذي يتعامل بكثير من الليونة والسلمية، مما يجعله عرضة للانقلابات نتيجة تحالف بعض السياسيين المدنيين مع بعض المغامرين من ضباط القوات المسلحة، وهي ظاهرة تكررت كثيرا في بلادنا ولا يمكن الجزم بعدم حدوثها مرة اخرى.
قطع الطريق أمام المغامرين من المدنيين والعسكريين يجب أن يكون عبر مؤتمر حوار سوداني مدني-عسكري يتكاشف فيه الجميع ويضعون النقاط فوق الحروف ويخرجون بنتائج تمنع استغلال السياسيين للجيش وتمنع الجيش من دعم المغامرين داخله، ويتعاهد فيه الجميع على حماية النظام الديمقراطي.
sondy25@gmail.com