تستمد منظمات المجتمع المدني قوتها من كونها مؤسسات شعبية تولد من رحم المجتمع، بواسطة مجموعة تربطها وحدة الهدف، والمصلحة المشتركة، ويستد اختيار قياداتها وإدارتها على التوافق والتراضي الديمقراطي.
ورغم ذلك قد تواجه إدارة المنظمات بعض المشكلات لأسباب تتصل بجذور مجتمعية وتاريخية متشابكة تتصل بتنوع العضوية، من ناحية تفاوت الأعمار والمستوى التعليمي والمشارب والمرجعيات الفكرية والثقافية وغيرها.
هذا التنوع يؤدي أحياناً الى تنازعات يجعل مهمة القائمين على إدارة المنظمة ليست بالأمر اليسير. لذا فإن الأمر يظل مرتبطاً بقدرة القائمين علي الإدارة من فهم واستيعاب التفاصيل المتصلة بتركيبة المنظمة والتكيف مع واقعها، والعمل على تخطي كل خلاف خاصة تلك التي قد ترتبط بالأهداف أو الإدارة أو التمويل . وأول خطوة في طريق نجاح المنظمة الاهتمام والتركيز تأهيل قياداتها وأعضائها من خلال التدريب ورفع قدرات الاستيعاب بما يمكن الجميع من التعامل بدرجة عالية من الوعي والحكمة؛ حفاظاً على وحدة وتماسك وتحسين وتطوير اداء المنظمة .
كما أنه من المهم أن يركز الاعضاء على التعامل الإيجابي مع عمل المنظمة بعيداً عن الموقف السلبية والمتطرفة المرتبطة بالقناعات أو المصالح الشخصية او مصلحة مجموعة بعينها، باعتبار أن التجرد ونكران الذات مع قبول الرأي وقبول الاخر يظل امرا مهما ومطلوبا لتحقيق الأهداف.
ومن المقومات الأساسية لنجاح المنظمة الالتزام الصارم بالقوانين واللوائح والشفافية؛ لضبط الإيقاع داخل المنظمة لما يحدثه ذلك من طمأنينة في نفوس الأعضاء ويشكل دافعاً أساسياً لهم للعمل الجاد ومدخلا مهماً للإبداع والابتكار .
وفي المقابل، فإن عدم الالتزام بالقوانين واللوائح يفتح الباب واسعا لفوضى التأويلات الخاطئة والخلافات التي تضر بالمسيرة، وقد تؤدي في نهاية الأمر الي انهيارها.
إن العمل في منظمات المجتمع المدني في جميع مستوياته يتطلب التمتع بدرجة عالية من المرونة واحترام الرأي والرأي الآخر الذي يخلق جواً من الود والاحترام المتبادل، الذي يؤكد أن الجميع شركاء في العمل ومتساوون في الحقوق والواجبات، وأن المشاركة في الأعمال في مستوياته المختلفة مبني على العدالة واستيعاب القدرات والكفاءات، كما يستوعب تطلعات وقدرات الأفراد والجماعات المتباينة في الرأي من خلال منح الفرص المتكافئة والتعامل بحكمة لتوظيف واستيعاب الاختلاف في الاتجاه الإيجابي، مع ضرورة الاستفادة من رأي أهل الخبرة في المواضيع المهنية والمتخصصة .
وعلي مستوى المسائل الإجرائية المتصلة بإدارة المنظمة مثل إدارة الاجتماعات يتطلب الأمر توخي العدالة واتباع إجراء موحد وفق اللوائح المعتمدة في التعامل مع الاعضاء من خلال منح الفرص والزمن المتساوي في الحديث، وعدم التعسف أو الانحياز أو محاولة الوصول لقرار بعينه لمصلحة من يدير الاجتماع أو لمصلحة مجموعة بعينها .
وفي الجانب الآخر، فإن على الأعضاء التزام ادب الاجتماعات بعدم الحديث إلا بعد منح الفرصة من رئيس الاجتماع، وكذلك ضرورة الاستماع لأي متحدث وعدم مقاطعته وتركيز الحديث حول البند المطروح للنقاش وتجنب التكرار ، والحرص على مخاطبة الاجتماع وعدم توجيه الحديث لشخص أو مجموعة بعينها . كما يجب على العضو حيثما تطلب الأمر ذكر شخص الإشارة له بما يعكس التقدير والاحترام مثل مخاطبته بلقبه العلمي أو الديني أو الاجتماعي وما الي ذلك . وضماناً لنجاح أي اجتماع وإدارة وتوظيف الوقت بشكل سليم مفيد يجب تجنب تقديم الاقتراحات وطلبات الاعاقة مثل طلب إعادة عد الأصوات لعدة مرات، والمطالبة برفع الجلسة دون سبب معقول، والاعتراض على التصويت في اقتراحات جاهزة، وإثارة نقاط النزاع بشكل مزعج وفي غير محله.
ولعل الأمر الأخير والمهم الذي يجب أن يسود داخل المنظمة، هو إجادة فن الائتلاف والاختلاف باعتبار أن الائتلاف من متطلبات الحياة، ومدخل للألفة والمحبة والنجاح وأن الاختلاف من سنن الكون والتعامل معه وتوظيفه بشكل إيجابي، وصولاً للراي الصائب الذي يحقق المقاصد ويعدّ من ركائز النجاح الحقيقي .
وإذا ما تتبعنا حال منظماتنا المدنية يصيح من المؤسف أن نلاحظ أن السلوك الأكثر تغيباً هو عدم القدرة على تحمل الرأي الآخر، إذ إن مجرد الاختلاف بين رأيين قد يتحول إلى نزاع وشقاق، نتيجة التناقض عند بعض الناس بين الفكر والسلوك، فتجد بيننا من يتحدث عن الوحدة يعمل للفرقة والشتات، ومن يتحدث عن الديمقراطية يمارس الدكتاتورية ومن يتحدث عن العدالة يمارس الظلم والاستبداد، ويوقع المواثيق والعهود ليلتف حولها وينقض غزلها، لذا فإن التشخيص المبكر ومعالجة هذه الظواهر يضمن بشكل أساسي قيام مؤسسات مدنية تحقق أهداف ومصالح المنظمة، كما تساهم بشكل مباشر في بناء الديمقراطية المستدامة.
ونحن نتحدث عن السلوك الجيد والقواعد الحسنة للممارسة وإدارة منظمات المجتمع، فمن من المفيد الوقوف والتأمل على ما ورد في كتاب الجمعيات داخل المدرسة وخارجها .. وإرشادات للمبتدئين في الديمقراطية العملية لمؤلفيه ف.ل. قريفس ومكي عباس (إن القواعد الحسنة لا تكفل وحدها النجاح للجمعية إذا إن نجاح الجمعية يتوقف فوق كل شيء على توافر صفات خلقية كثيرة في الأعضاء التنفيذيين، وفي بقية أعضاء الجمعية. فإذا لم تسد روح التعاون بين الأعضاء وإذا لم يكن الرئيس منصفاً غير ساع وراء تمجيد نفسه، وإذا لم يكن السكرتير من المجدين الذي يعتمد عليهم، وإذا لم يكبح محبو الكلام أنفسهم ويقصروا كلامهم على ما هو ضروري. نقول إذا لم تتوافر هذه الصفات وصفات أخرى كثيرة آبت الجمعية بالفشل لا محالة رغم قواعدها الحسنة. ولعله كان من الأصوب أن نذكر هذه النقطة في مقدمة الشروط الأساسية لنجاح الجمعية لأن أخلاق الأعضاء هي في الواقع أساس نجاح الجمعية أو فشلها).
١٨ أغسطس ٢٠٢١م