الجماهير التي خرجت في ثورة ديسمبر كانت تمني نفسها بتحول البلاد نحو الأفضل بعد إسقاط النظام، في الخدمات العامة من كهرباء وماء وصحة وتعليم ومواصلات والخ، وفي الأمن، الزراعة، الطرق، العلاقات الخارجية وفي كل شيء.
لكن يجب أن نعترف بأن حكومة الثورة مازالت بعيدة جدا عن تحقيق احلام وتطلعات الجماهير المذكورة اعلاه، وهو اعتراف مؤلم جدا، ولكنه ضروري من أجل الإذعان بوجود خطأ ما ومن ثم العمل على معالجته.
هناك أشياء إيجابية متعددة حدثت في عهد الحكومة الانتقالية وكان المفترض أن تغير في الواقع نحو الأفضل ولكن هذا لم يحدث، خرج السودان من قائمة الدول الراعية للارهاب، أعاد السودان علاقاته المالية مع المصارف الدولية، أقام السودان بمساعدة الشركاء الدوليين عددا من مؤتمرات أصدقاء السودان لدعم البلاد، حصل السودان على إعفاء جزء مقدر من ديونه الخارجية، وقع السودان اتفاقية سلام مع الحركات المسلحة ويفاوض البقية وهذا يعني تقليل ميزانية الحرب التي كانت تستهلك معظم الميزانية، لماذا لم تؤثر هذه الخطوات إيجابا على واقع حياة الناس؟
صحيح بعض هذه التحولات لكي تؤثر على الواقع تحتاج وقتا أطول من الفترة التي مضت عليها، ولكن ما بال الأخريات لم تؤثر؟ لماذا لا يشاهد المواطن انعكاسا ملحوظا لها على الواقع الحياتي؟
هناك جملة من الأسباب التي يمكن ذكرها أثرت وتؤثر على الواقع الراهن، وأولها ضعف القدرات الإدارية للحكومة التنفيذية التي تدير البلاد، يجب أن نذكر بكل صراحة ان الحكومة الانتقالية الأولى تم صرفها بسبب الفشل في أحداث تحول حقيقي في واقع البلاد، ولا يبدو أن الحكومة الحالية أفضل حالا.
الحكم أصبح علما قائما بذاته، هو ليس (شختك بختك) ولا (ضربة حظ) وإنما علم إذا لم تحذقه فلن تنجح فيه، معظم الوزراء والكوادر التنفيذية في الحكومة الانتقالية لم يمارسوا الحكم من قبل ولا كانوا في أحزاب سياسية حاكمة او مستعدة للحكم، وبالتالي لا يمكن التنبوء بنجاحهم، وإنما يجب توقع فشلهم اولا ثم من بعد ذلك توقع النجاح في حال سلكوا طرق التعلم لا الترفع، طرق البحث والاستزادة من التاريخ والحضارة والنماذج المشابهة حول العالم وليس المكابرة والاعتماد على الذات، لهذا اذا لم يتطور أداء الوزراء والمسؤلين بصورة ملحوظة مع الأيام فلا يجب أن نتوقع تطورا في حال البلاد.
من الأسباب ايضا انهيار الخدمة المدنية، لو ان الإنقاذ تركت الخدمة المدنية السودانية بلا تدخلات وتمكين وفساد، لسندت الخدمة المدنية الحكومة الانتقالية، ولكن الخدمة المدنية تعرضت لتشويه رهيب في عهد الكيزان، وبالتالي هي نفسها في حاجة لمن يسندها، اذا استمرت الخدمة المدنية بحالها الراهن فلا يجب أن نتوقع تغييرا نحو الأفضل في البلاد.
من الأسباب ايضا ضعف الجانب العسكري الشريك في الحكم، المؤسسة العسكرية غلبت عليها الادلجة، واستهدفتها الحركة الإسلامية ايام حكمها بصورة مركزة من أجل حماية نفسها من الانقلابات، لذلك تعاني هذه المؤسسة اليوم من ازدواجية انتماءات داخلها، ومن ضباب وتخبط فكري نتيجة انتماء بعضها للثورة والمباديء الديمقراطية وعجز مجموعها عن الوفاء بمتطلبات هذا الإيمان الجديد، وهو ما ظهر في ضعف استجابة جهازي الأمن والشرطة لحالات الانفلات الأمني والفتن القبلية.
نواصل …..
يوسف السندي
sondy25@gmail.com