مسرحية المهرج للكاتب السوري محمد الماعوظ قدمتها بإبداع كوميدي سوداني فرقة الأصدقاء المسرحية وفيها مشهد يظهر فيه عبدالرحمن الداخل (صقر قريش) الذي قبضت عليه الشرطةوهو يجتاز الحدود ولا يحمل جوازا للسفر فسأله الشرطي عن جواز سفره بعد ان إستغرق وقتا طويلا وبذل جهدا مقدرا ليشرح له ماذا يعني جواز السفر ، فاجابه صقر قريش مندهشا :وهل يحتاج العربي للتنقل في بلده إلى جواز؟!!!
عرف العالم جواز السفر في أعقاب الحرب العالمية الأولى كوثيقة رسمية تمنحها الدولة لرعاياها لغرض التنقل من دولة إلى أخرى ويعتبر جواز السفر مستند رسمي لإثبات هوية حامله و يمنح الجواز حامله الحماية ويشعره بالإنتماء لوطنه الذي منحه حق الحرية في التنقل وإحترام الآخرين ، ويعتبر الملك البريطاني هنري الخامس أول من إعتمد وثيقة شبيهة بجواز السفرالمعاصر ، ولكن من الثابت تأريخا أنه وفي العام ١٩٢٠م إعتمدت عصبة الأمم إرشادات معيارية لجوازت السفر تلزم بها كل الدول حيث أصبح الجواز يعتمد عليه في الحد من الهجرة غير الشرعية ومكافحة التجسس، ومراقبة التهديدات التي تمس الأمن الدولي .
- وقد شهد جواز السفر تطورا مستمرا منذ أن كان عبارة عن ورقة تحتوي على المعلومات الشخصية ووصف لحاملها بدون صورة فوتغرافية ،إلى دفتر يحتوي على الصورة الفوتغرافية والورق اللاصق لحمايتها ثم بصمة وتوقيع حامل الجواز إضافة للأختام الرسمية، إلى غير ذلك من الوسائل التأمينية التي قد تتعرض للإختراق والتزوير من فترة إلى أخرى
- وقد ظلت الإيكاو (ICAO) المنظمة الدولية للطيران المدني تبذل مجهودات جبارة لتأمين جوازات السفر وتضع المواصفات المعيارية للجواز وتلزم بها الدول الأعضاء بهدف منع الغش وحماية المسافرين وتسهيل التنقل، وبفضل مجهودات هذه المنظمة ظلت جوازات السفر في تقدم مضطرد من الناحية التأمينية إلى أن وصلت مرحلة الجواز المقرؤ آليا والجواز الإلكتروني الذي يعد آخر صيغة ومواصفة دولية لجواز السفر .
- وفي بلادنا الحبيبة السودان صدر أول جواز سفر سوداني في ١٧نوفمبر ١٩٥٦م باسم المواطن محمد كيلاني همد من جزيرة (صاي) بعبري وفقا للمواصفات المعيارية الدولية في ذلك الوقت ، وظل الجواز السوداني يواكب التطور الدولي ويلاحق المواصفات المعيارية التي تصدرها (الإيكاو) من وقت لآخر ، وتحرص القيادات الشرطية المتعاقبة على تقديم الخدمات المتميزة للمواطنين فكان الإهتمام ببيئة العمل من خلال مجمعات خدمات الجمهور ثم الإهتمام بتطوير الوثائق والمستندات الرسمية المتمثلة في الجوازات ورخص القيادة والبطاقة القومية ورفع درجة تأمينها ، والحرص على مطابقتها للمواصفات الدولية ، وكان نتاج ذلك رضا المواطن الذي يقصد المجمعات ليتلقى خدمة متميزة في وقت وجيز بمعاملة كريمة حتى يخرج من المجمع ولسانه يلهج بالشكر والدعاء للعاملين بالشرطة ولقياداتهم ، حاملا في يده وثيقة على درجة من الرقي والتطور يفاخر بها حيثما توجه وأينما ذهب.
- وللأسف الشديد يلاحظ الآن أن هنالك تراجعا مخيفا في عمل الشرطة في مجال خدمات الجمهور ، والحقيقة التي يجب ان تقال وبكل ثقة أنه ليس للشرطة يد في هذا التراجع الذي تعود أسبابه إلى الإعتمادات المالية التي يجب أن تخصص للقيام بهذا العمل بصورته الحضارية ، فعلى الرغم من أن المواطن يدفع قيمة الجواز والأوراق الثبوتية الأخرى ويتم توريد هذه المبالغ لوزارة المالية إلا أنه لا يتم التصديق بالميزانية المطلوبة لتوفير المواد الخام لطباعة الجوازات والمستندات الأخرى ، وهذا الوضع يجعل الشرطة في موضع الإنتقاد والسهام الموجهة لها بسبب تقصير جهات أخرى لا تضع خدمة المواطن في قائمة أولوياتها.
- وأنا أتابع ما تقوم به وزارة الداخلية ورئاسة الشرطة وهيئة الجوازات والسجل المدني، والسعي الحثيث لهذه الجهات لإيجاد المعالجات والعمل على تجاوز ما لحق بالمواطنين من ضرر جراء التأخر في إستخراج الجوازات والمستندات الرسمية الأخرى ، ويجب أن نثمن عاليا التوجيهات المستمرة للسيد وزير الداخلية الخاصة بإعتماد الجوازات والبطاقة القومية المنتهية الصلاحية في كافة المعاملات الرسمية الداخلية ، ثم طلبه من وزيرة الخارجية لمخاطبة الدول لإعتماد سريان الجواز السوداني لمد عام رغم إنتهاء الصلاحية، وهذه مجهودات تصب في خدمة المواطنين وعدم تعرض مصالحهم للضرر بسبب أزمة الجواز والوثائق الرسمية الأخرى ، وأسال الله التوفيق لكل المساعي خدمة للمواطن السوداني حتى يجد خدمة متميزة تليق به.
- إعتقد أنه على قيادة الشرطة أن تتخذ قرارا صعبا بإيقاف العمل بالجواز الإلكتروني والعمل بالجواز المقرؤ آليا الذي تتوفر مواده وماكيناته بالبلاد وفي هذا مراعاة للظرف الإقتصادي وتلبية لحوجة المواطن العاجلة لمستنداته الرسمية ، وكذلك لا بد من إيجاد صيغة مناسبة مع وزارة المالية للنظر في توريد الأموال الخاصة بإستخراج الجوازات والوثائق الأخرى على أن يتم التوريد بعد خصم قيمة المواد الخام لتتولى رئاسة الشرطة توفيرها حتى نضمن الإستمرارية لهذه الخدمات ، ثم آخيرا لا بد من تبصير المواطن بالأسباب الحقيقية لتدني مستوى الخدمات الشرطية والذي بعود لأسباب مادية فقط ليس للشرطة يد فيها.