مظاهر من التفسخ والعري تسود الشوارع بعد الثورة وكأن الثورة في جوهرها دعوة للحرية غير المنضبطة!! الثورة اندلعت ضد الكيزان ومنهجهم الفاسد في قيادة البلاد سياسيا وليس ضد الثقافة السودانية المحافظة المتوارثة جيل عن جيل، ثقافة الجد والحبوبة والبيت الكبير الذي يساعد الجميع فيه على التربية وضبط الاسرة، هذه الثقافة المتوارثة ليست ثقافة بالية ولا ثقافة متخلفة وإنما ثقافة عظيمة حافظت على الأسر السودانية رغم الظروف الكالحة التي عاشها السودان في ظل عهد الانقاذ.
الخروج الراهن على التقاليد والأعراف والتمرد على الأسر الذي ظهر في الشوارع دليل على انفراط عقد الأخلاق المجتمعية السمحة، وفي ظل سوء الواقع الاقتصادي فإن هذا الانفراط سيقود إلى تردي اخلاقي يصبغ السودان المعروف بالنخوة والشرف بصبغة المجتمع المنحل.
يستغرب الكثيرون من منظر ظهور (حرامية) في منتصف النهار وهم يكسرون زجاج عربة في قلب العاصمة الخرطوم وامام المارة، أو (حرامية) يعتدون على فتاة داخل عربتها من أجل سرقة محتويات العربة في أستوب مليء بالسيارات والمارة، ولا يتدخل احد، كأن السلوك الإجرامي الذي يحدث أمامهم يحدث في مكان او آخر او لا يحدث اطلاقا.
هذا التراجع الغريب في حمية السوداني وفي شرف دفاعه عن الأمانة هو ظاهرة مرتبطة بظاهرة عامة بدأت تتمدد هي ظاهرة تخلي الكثير من الأفراد عن دورهم في حماية المجتمع وأخلاقه الفضيلة ومحاربة العادات والأخلاقيات الدخيلة والسلوك المنحرف، وهو منهج أناني يهتم فيه الفرد بنفسه فقط، فما دام ان عربته لا تتعرض للسرقة، فلا يجب أن يهتم.
ظاهرة (نفسي نفسي) التي تسود قليلا قليلا في السودان ستنسحب على الثورة وسيدمغها الكثيرون بأنها ثورة منحلة لا تمانع في انفراط أخلاقيات المجتمع، وهو وصف كارثي سيحول المجتمع في وقت ما ضد الثورة وضد حكومتها وضد كل من يتحدث باسمها.
ما يزيد الأمر سواءا ان اليسار السياسي السوداني هو الذي يعلو صوته في قيادة الثورة وهو تيار مكروه في وسط الجماهير وغير مرغوب به اجتماعيا، ومصادم في الكثير من مناهجه لسماحة وأخلاقيات المجتمع السوداني، وهو عبء آخر سيزيد من الفتن والاضطرابات في المرحلة المقبلة مما يجعل الثورة في كف عفريت، وقد يعيد البلاد مرة أخرى لطالبان السودان (الكيزان).
حزب الأمة القومي عليه مسؤولية كبيرة في هذه المرحلة الحساسة من عمر الوطن، فهو الحزب الوسطى الوحيد الموجود في قيادة الثورة في خضم موج عباب من الأحزاب والكيانات اليسارية، تماهي هذا الحزب العريق وكيانه الأنصاري العريق مع الأفكار اليسارية التي تلون مظهر الثورة سيفقد المجتمع قدرته على التماسك ويخلق أزمات أخلاقية خانقة ستقود في المستقبل عاجلا أم اجلا إلى انفجار جديد مضاد للثورة في الساحة السياسية.
انهيار الاقتصاد اذا صاحبه انهيار في الأخلاق فإن الحديث عن وجود ثورة يصبح مجرد كذبة او وهم، الثورة يجب أن تنقل البلاد إلى الأفضل اقتصاديا وأخلاقيا وفي كل المجالات، فهل مازال هناك حادبين على القيم الثورية الحقيقية ام ان دعاة الحرية غير المنضبطة سيواصلون قيادة البلد نحو الهاوية؟!
يوسف السندي
sondy25@gmail.com
بوركت ياسندى.. مقال رائع