ظاهرة الاختفاء القسري من الظواهر التي تهدّد استقرار الإنسانية، وقد كانت تمارسها الأنظمة الديكتاتورية لإدخال الرعب في المجتمعات التي تدين لها وكسر شوكة المعارضين، وللأسف استفحلت الآن وتعدّدت أشكالها، وباتت قضية أرّقت معظم بقاع العالم بلا استثناء مما حدا بالجمعية العامة للأمم المتحدة أن تعلن الثلاثين من آب/ أغسطس يوماً دولياً لضحايا الاختفاء القسري في قرارها رقم 209/65 بتاريخ 21 كانون الثاني/ديسمبر. ومنذه ظل هذ التاريخ يوماً تتعالى فيه الأصوات الرافضة لإذلال الإنسانية بأيّ صورة كان، لاسيّما الاختفاء القسري الذي يعدّ واحداً من أشدّ الممارسات إيلاماً إذ يمتد تأثيره – ليس على الضحية فحسب- بل يشمل حتى ذوي الضحية وأقاربه. عليه فالاحتفال بهذا اليوم غايته التضامن الإنساني ضدّ الممارسات اللا إنسانية التي يرمي بها الديكتاتوريون وأشباههم شعوبهم. وتثبت الشواهد والأدلّة أن هذه الممارسات ما فتئت تتكرّر حيناً تلو آخر وبصور مختلفة، بيد أنّها لغاية واحدة هي بثّ الرعب، فالأمر يتطلّب مقاومة كل الشعوب لا بعضها، وهذا من دواعي الاحتفال باليوم العالمى لضحايا الاختفاء القسري
إنّ الاحتفال باليوم العالمى للاختفاء القسري رسالة يجب أن تستشعرها الدول والشعوب، وتتفاعل معها من أجل تحجيم تمدّد هذه الممارسة التي تجانب كل قيم وحقوق الإنسان وتتحدّى كل الأعراف والقوانين الدولية المتعارف عليها، بل يجب أن تخاطب فيه المشاعر والألباب ويتحرّك الضمير الإنساني ضد ظاهرة الاختفاء القسري، بل ينبغي أن تسخر كل الوسائل والأدوات التي تحمل هذه الرسالة إلى غاياتها لأنّ الهدف الأساسي من الاحتفال هو التوعية بمخاطر الظاهر والتعبئة للوقوف في وجه جبروتها وجبابرتها، فظاهرة الاختفاء القسري في زماننا الحالي باتت تمارس في كثير من بلدان العالم ، بل صارت وسيلة للمتطرّفين والمتشدّدين؛ فكم من ضحايا لم يعرف مصيرهم أحياء أم أموات، وكم من الأسر غاب ربّانها دون اتصال أو خبر، وكم من الشباب نالتهم يد الغدر ورمت بهم إلى مناطق لا علم لهم بها وبأدغالها، وكم وكم وكم. لذلك فالاحتفال بهذا اليوم تعزيز لوحدة الدول والشعوب والمنظمات الإنسانية الرسمية والشعبية، لشحذ للهمم وتسخير الإمكانات لمصلحة ضحايا الاختفاء القسري وضرورة أن يعرف ذووهم مصيرهم إجلاء للحقائق.
معهد جنيف لحقوق الإنسان يصطف مع المصطفين في الاحتفاء باليوم العالمى لضحايا الاختفاء القسري، ويرفع لواءه عالياً تأكيداً لتمسكه بحقوق الإنسان، ولا تلين للمعهد قناة وهو يتصدّى لكل الممارسات التي يكون ضحيتها الإنسان؛ أّياً كان فالمعهد ما برح يعمل عبر كل وسائله للتثقيف والتوعية لتحقيق الغايات العليا للحفاظ على كرامة وحقوق الإنسان.
وبمناسبة اليوم العالمي يطالب المعهد الدّول بتعريف الاختفاء القسري وفقا للإتفاقية الدولية بأنه جريمة قائمة بذاتها في التشريعات الوطنية، وتحديد أساليب مختلفة لإثبات المسؤولية الجنائية عنه، بما فيها التحريض على اختفاء قسري والمشاركة فيه وقبول ارتكابه والتستر عليه فعلاً، فضلاً عن المسؤولية الجنائية المترتبة على مسؤولية القادة أو الرؤساء؛
ولا يفوت معهد جنيف لحقوق الإنسان مطالبة الدول بإنشاء آليات يمكنها أن تتلقى بسرعة الشكاوى في حالات الاختفاء القسري وأن تعالجها، تحت مسؤولية سلطات مستقلة عن المؤسسات التي ينتمي إليها من يُدّعى أنهم الجناة أو قد تربطهم صلة بها. وينبغي منح هذه الآليات الصلاحيات للبدء في تحقيقات سريعة فيما يرِد من الشكاوى. ويتحتّم الاعتراف بشكاوى الاختفاء التي تنطوي على ادعاء مشاركة مسؤولين حكوميين أو جهات غير حكومية بدعم من موظفي الدولة أو بموافقتهم، بوصفها حالات اختفاء قسري، وأن تؤدي فوراً إلى تطبيق المبادئ التي يُسترشد بها في التحقيق في هذه الجرائم.
وختاما يطالب معهد جنيف لحقوق الإنسان بضمان استقلال التحقيقات واستقلاليتها ونزاهتها.
جنيف 30 أغسطس 2021م