هل تشاهد من حولك فوضى سياسية عزيزي مواطن السودان؟
هل تظن أن الحابل قد اختلط بالنابل؟
هل دار راسك هذه الايام من مسلسلات النقد والنقد المضاد بين الحكومة الانتقالية ومعارضيها؟
هل تشاهد وتسمع كل يوم واخر سلسلة من الإضرابات والوقفات الاحتجاجية والمسيرات والهتاف من أجل بعض المطالب؟
هل قاد هذا السلوك إلى تعطيل المؤسسات التي راجعتها عن أداء عملها؟
هل صادفك صيوانا في منتصف الطريق لاعتصام بعض المواطنين، مما كلفك وقتا ثمينا ذلك اليوم؟
الإجابة على هذه الأسئلة ستكون نعم لدى الكثيرين، وهو واقع يجب الوقوف عنده واستكشافه وتوضيح الصحيح من الخطأ فيه.
الإضرابات والاحتجاجات والوقفات والمسيرات والاعتصامات كلها حقوق انتزعتها الجماهير عبر ثورة من الدماء والالم، ولا يمكن أن تغمطها جهة أو فرد هذا الحق، ولكن استخدام هذه الحقوق بطريقة غير ديمقراطية يؤدي إلى تعطيل حياة الناس، وهو خطأ فادح لا حاجة له في ظل وجود وضع سياسي يكفل الحريات.
بدل النقد الموضوعي انتشرت ظاهرة (النبذ) و (الشتيمة)، وأصبحت ماركة مسجلة في الرد على السياسيين في صفحاتهم الرسمية او في الرد على مقالات الفكر والرأي والتحليل، بل حتى على الفنانين والفنانات، وأحيانا تكون هذه الشتيمة مباشرة عبر لايفات فيديوهات او رسائل صوتية!!
النقد مطلوب، فالنقد يبصر المسؤلين والحكومة والسياسيين وكل الشخصيات العامة بالأخطاء التي يرتكبونها، أما النبذ والشتيمة فهو افلاس وزلنطحية.
معظم هذه الممارسات تستهدف الحكومة وقادتها وحاضنتها، وهم عاجزون عن الرد على الإساءة بمثلها، مع أنهم يملكون سلطة الدولة، وذلك لان استخدامهم سلطة الدولة لإرهاب وإسكات المخالفين، سيحول الحكومة إلى حكومة دكتاتورية وهذا بالضبط ما يريده المتربصين بالتحول الديمقراطي، وهذا بالضبط ما سيكتب نهاية ثورة ديسمبر.
مازلنا في بلادنا في مرحلة مبكرة من الخطو في بلاط الديمقراطية، مازلنا في مرحلة ( تاتي يا بلد تاتي)، رغم ان بلادنا مرت بثلاث تجارب ديمقراطية، وثلاث ثورات شعبية، الا انها انحرفت ثلاث مرات إلى انقلابات عسكرية، هذا الانحراف ظهر لأننا لا نؤمن بثقافة الخلاف، لا نعطي الفرصة لمن جلس على المنصب بحقه، لا نسامح على الخطأ غير المقصود، لا نتعلم من التاريخ، التاريخ الذي شهد قبرنا ودفننا لثلاث ديمقراطيات نتيجة الصراع والنبذ والشتيمة والكفر بعضنا البعض.
نحتاج في بلادنا الآن بعد انتصار ثورة ديسمبر لأن نعطي الفرصة لقادة الفترة الانتقالية كاملة، ان نقومهم بالنقد المفيد والمنضبط، أن نحسن إدارة الاختلاف بيننا، بحيث لا نصل إلى درجة الغلو والتطرف، جميعنا في النهاية سودانيون من وطن واحد وتاريخ واحد ومصيرنا واحد.
شباب الأجيال الجديدة عليهم أن يعوا هذه الحقيقة، عليهم ان يعملوا من اجل بناء روح السلام والتطبع بطباع الديمقراطية، عليهم ان يعلموا أن هذه الثورة هي فرصتهم لبناء دولة سودانية ديمقراطية ليعيشوا في كنفها بحرية، وإن أضاعوها كما فعلت الأجيال من قبلهم فسيحكمون على أنفسهم بالعيش عمرا كاملا في ظل دولة قمع شمولية ويضيع عليهم الحاضر والمستقبل.
اتمنى ان تنشط منظمات المجتمع المدني في بناء روح الديمقراطية في الأجيال الجديدة بدل ان تنغمس في الصراع السياسي على المكاسب والمناصب، وأن تهتم الأحزاب السياسية بتقديم النموذج الديمقراطي داخلها لكي تقود سفينة البلاد نحو الحرية والديمقراطية، والا فإن الطوفان اذا جاء سيأخذ في طريقه الجميع شبابا ومنظمات واحزاب.
sondy25@gmail.com