وُصفت الدعوة التي أطلقتها تيريزا ماي لاجراء انتخابات مبكرة بالمفاجأة، حيث أعلنت رئيسة وزراء بريطانيا “غير المنتخبة “لانتخابات مبكرة في الثـامـن من يـونيـو 2017م ، أي خـلال ثمـانية أسابيع من تـاريخ اعلانهـا ، وفي أقل من عـام منذ تـوليها السـلطـة في 13/07/2016م، خـلفاً لـديـفـيد كـاميرون، الذي استقال من منصبه بعد أن مني بخسارة في الاستفتاء العام التي عبر فيها البريطانيون عن رغبتهم الخروج من الاتحاد الأوربي بأغلبية ضئيلة .
قد تعكس دعوة ماي لانتخابات مبكرة ضخامة المسئولية الملقاة على عاتقها ، في اتخاذ قرارات مصيرية، مثل خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي ، ورغبة اسكتلندا في الانسحاب من المملكة المتحدة، وما يترتب علي ذلك من تبعات ، وبالطبع فان ذلك يحتاج لرئيس وزراء منتخب، ومخول ولديه الثقة من شعبه، لاتخاذ قرارات مصيرية وتاريخية منتظرة.
و بعد أن وافق البرلمان على هذه الانتخابات المبكرة، سوف تحل الحكومة في ضوء ذلك في الثاني من مايو القادم، وقد اختارت ماي هذا التاريخ بالذات لعدة أسباب، منها قوة حزب المحافظين الحالية، حيث تتفوق على حزب العمال بـ 21 نقطة في آخر استطلاع للراي العام، إضافة أن حزب العمال لديه خلافات داخلية في رئاسة الحزب، حيث قدم في سياقها عدد من الأعضاء استقالاتهم، اعتراضاً على سياسة “الحرس القديم” التي ينتهجها زعيم الحزب جيرمي كوربن، و يعتقد بعض النواب بأن الحزب قد تجاوز هذه السياسات، وأنه قد عفى عليها الزمن، ولكن ما يقوي مكانته، أنه رجل معروف بإخلاصه لوطنه، ونقي من ألاعيب السياسيين الخداعة، وهو صاحب نهج مباشر فيما يود قوله من دون مواربة، لا سيما تجاه قضايا الشرق الأوسط عامة والقضية الفلسطينية بشكل خاص.
بريطانيا في موقف لا تحسد عليه حاليا، وما يزيد الحملة الانتخابية سخونة هو تقارب نتيجة الاستفتاء حيال خروج بريطانيا من الاتحاد الأوربي، ما جعل المعارضين يقفون بقوة مرة أخرى بآمال ورغبات مختلفة، تهدف الى إعادة الاستفتاء، والبقاء في عضوية الاتحاد الأوروبي، كما حذروا من مغبة الخروج من الاتحاد الأوروبي رغم قبولهم نتيجة الاستفتاء السابق.
إضافة إلى ذلك، هناك أحزاب صغيرة عدة في بريطانيا تدعم بقاء بريطانيا داخل الاتحاد الأوربي، وهي حذرت من آثار خروجها من الاتحاد الأوروبي، وتداعياته على الاقتصاد الأوروبي والعالمي، والجدير بالذكر عنا أنه ليس من المتوقع أن يقدم الاتحاد الأوروبي تنازلات لبريطانيا فيما يخص السوق الموحد ، ما يجعل الخروج صعباً .
اما في أسكوتلندا التي تقف ضد “ويستمنستر” في مسألة خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي، فكان صوت أغلب مواطنيها بالبقاء مع الاتحاد الأوروبي، و أكدوا رغبة بلادهم في إعادة الاستفتاء من أجل انفصال اسكتلندا من المملكة البريطانية خلال العام 2018م، أو على الأكثر في بداية عام 2019م لرغبتهم بالبقاء ضمن الاتحاد الأوربي، ويرون أن قرار بريطانيا لا يتفق مع رغبات مواطنيهم الذين صوتوا بالبقاء في الاتحاد الأوروبي، وهذا هو السبب الذي دفع الوزيرة الأولى في اسكتلندا نكولا سيرجن الى التقدم رسمياً بهذا الطلب الذي رفضته رئيسة وزراء بريطانيا، معللة أن الوقت غير مناسب لإجراء مثل هذا الاستفتاء في الوقت الراهن، مشددة على ضرورة أن يقف الجميع على قلب رجل واحد خلال المفاوضات مع أوروبا .
وما زاد الأزمة تعقيداً بعد الدعوة لانتخابات مبكرة في بريطانيا يكمن في أن سيرجن أكدت أنه في حال فوزها في هذه الانتخابات، فان مهتمها ستكون هي السعي لانفصال اسكتلندا أسهل من بريطانيا، و لا يخفى على المتابعين أن الوثيقة السرية التي كتبها وزير شئون “بريكست” ( الخروج من الاتحاد الأوروبي) ديفد ديفز أشارت الى أن سكان ايرلندا الشمالية إذا صوتوا في استفتاء لصالح الانفصال عن المملكة المتحدة فسوف يمكنهم الالتحاق بجمهورية ايرلندا والبقاء في الاتحاد الأوروبي، وعبر عن مخاوفه من أن يتبع ذلك تململ ويلز بالانفصال أيضاً.
هذه التفاعلات دفعت تيريزا ماي الى الدعوة الى انتخابات مبكرة، وهذا يعني أن كل هذه الاحتمالات قد تكون كارثية على حزب المحافظين، وقد تدخل بريطانيا في نفق مظلم ، ولا يستبعد أن تصب في مصلحة عودة بريطانيا الى حضن الاتحاد الأوروبي من جديد ، وبدا لافتا في عذا السياق أن المفوضية الأوروبية أكدت أن الانتخابات المبكرة في بريطانيا لا تغير الجدول الزمني لمفاوضات انسحاب لندن من الاتحاد الأوروبي، التي تبدأ في يونيو القادم .
sharaf.mahmoud@gmail.com