في أزمة جديدة أعلنت لجنة اساتذة الجامعات السودانية الدخول في إضراب عن العمل بداية من السادس من سبتمبر القادم في ظل عدم تنفيذ مطالبها والتي تتمحور حول وضع هيكل راتبي خاص لأساتذة الجامعات.
من حق أساتذة الجامعات المطالبة بتحسين وضعهم في ظل تدهور الأوضاع الاقتصادية وارتفاع التضخم الذي لم يعد معه راتب الأستاذ الجامعي كافيا لتغطية احتياجاته واحتياجات أسرته.
الاستاذ الجامعي في الخارج يصرف راتبا يتجاوز راتبه في السودان بعشرات الاضعاف، وكان هذا من أسباب هجرة الكثير من الأساتذة الجامعيين، عدم استجابة الحكومة لطلبات الأساتذة قد يكون دافعا لمن تبقى منهم للهجرة، وهي هجرة ستستنزف كفاءات البلد وتجردها من علماءها وخيرة كوادرها.
قد يتسآل البعض وأين كان أساتذة الجامعات في عهد الانقاذ؟ لماذا لم نسمع لهم صوتا ولا إضرابا شاملا كهذا؟ وهذا سؤال مشروع لا يشكك في عدالة المطالب، جدول الاضراب الذي أعلنته لجنة أساتذة الجامعات السودانية غير مسبوق، إلتفاف اساتذة الجامعات السودانية خلف الاضراب غير مسبوق كذلك، لم ير احد نشاطا اضرابيا لاساتذة الجامعات مثل هذا في عهد الانقاذ، وهو ما يوضح الفرق بين الواقع الراهن من الحريات والواقع الشمولي الذي كان فيه الأساتذة تحت سوط القهر والفصل من الخدمة في حال التلويح بالإضراب.
أساتذة الجامعات كانت لهم مواقف مشهودة عبر فترات متقطعة من عهد الانقاذ، ولكن إضرابا للاساتذة الجامعيين على مستوى الجامعات كما يحدث الآن لم يحدث في عهد الانقاذ، الفئة المهنية الوحيدة في السودان التي استطاعت تنفيذ اضراب مشهود في عهد الإنقاذ هم الأطباء.
الأطباء نفذوا سلاسل إضرابات عظيمة في أوقات مختلفة في عهد الانقاذ، كانوا أكثر الفئات المهنية مصادمة ومواجهة للانقاذ، شارك في اضراباتهم جميع الأطباء على مستوى السودان، لم يستجيبوا لارهاب وعسف وترويع النظام.
من أزمات الحكم الانتقالي الوليد انه يواجه ظروفا صعبه، وبدلا من ان يدعمه النخب كاساتذة الجامعات والموظفين الآخرين، الا انه يواجه للاسف بسلاسل لا تنتهي من الإضرابات، وهي إضرابات تستثمر واقع الحريات وستزيد من أزمات البلاد ولن تفيد سوى الفلول.
مطلوب أن يتعامل النخب مع الحكومة الانتقالية بطريقة تقلل من إثارة الازمات، وأول ذلك أن لا يتم الاعتماد على الإضراب كوسيلة لانتزاع المطالب، يجب أن نحافظ جميعا علي هذه الحكومة حتى لا نعود مرة أخرى للشمولية قبل الوصول للانتخابات.
مطلوب أن توقع الفئات المهنية على مستوى السودان على ميثاق شرف بعدم اللجوء للاضرابات كوسيلة لانتزاع الحقوق، مع ابتكارهم وسائل أخرى للمطالبة بالحقوق لا تتضمن إيقاف العمل، مثال لذلك الوقفات الاحتجاجية امام مجلس الوزراء او امام الجامعات، الندوات، المؤتمرات الصحفية، وغير ذلك من وسائل المطالبات بالحقوق، المهم أن لا نلجأ لاضرابات تقود إلى إيقاف العمل، العمل يجب أن لا يتوقف في ظل الحكومة الانتقالية مهما كانت الظروف، فهذه حكومة انتقال يجب مساعدتها في تقليل الأزمات لا إضافة مزيد من الضغط عليها، كما قدم البعض ارواحهم فداءا لمجيء هذه الحكومة الانتقالية، فإن ميثاق الشرف المهني هذا سيكون أقل ما يقدمه المهنيين لدعم استقرار الفترة الانتقالية.
يوسف السندي
sondy25@gmail.com