يتهم الكثيرون حزب الأمة القومي بأنه ابان الديمقراطية الثالثة، كان ضد إلغاء قوانين سبتمبر ١٩٨٣ سيئة السمعة، وانه كان ضد اتفاقية الميرغني-قرنق، وهي اتهامات غير صحيحة، فندها الإمام الراحل السيد الصادق المهدي في خطابه لزعيم الحركة الشعبية الدكتور جون قرنق في ديسمبر ١٩٩٩. نورد فيما يلي ملامح من هذا التفنيد.
ذكر المهدي في خطابه لقرنق أن حزب الامة القومي كان هو الحزب السوداني الكبير الوحيد الذي اشترك في ملتقى كوكادام والاعلان الصادر عنه في مارس ١٩٨٦، الحزبان الكبيران الآخران وهما الاتحادي الديمقراطي والجبهة الاسلامية القومية وقعا اتفاقا وقعه السيد زين العابدين الهندي والدكتور حسن الترابي وشهد عليه السيد محمد عثمان الميرغني رئيس الحزب الاتحادي فحواه: رفض اعلان كوكادام، رفض قانون القصاص الشعبي، ورفض الغاء قوانين سبتمبر١٩٨٣.
موقف حزب الامة كان مؤيداً لإعلان كوكادام ومؤيدا لقانون القصاص الشعبي ومؤيدا لإلغاء قوانين سبتمبر ١٩٨٣.
سعى حزب الأمة القومي عبر الجمعية التأسيسية للنظام الديمقراطي لتمرير موقفه، ولكن موقف الحزبين الآخرين (الحزب الاتحادي وحزب الجبهة الاسلامية) الرافض جرده من الاغلبية المطلوبة لتحقيق ذلك.
في أديس أبابا في يوليو ١٩٨٦ التقى السيد الصادق المهدي بالدكتور جون قرنق واوضح له التزام حزب الأمة القومي بإعلان كوكادام، وشرح له الموقف داخل الجمعية التأسيسية، وضرورة العمل من أجل الحصول على الأغلبية في الجمعية التأسيسية.
كان هذا اللقاء فاتحة اتصال مباشر بين القيادتين، وكان متوقعا منه ان يثمر الكثير في المستقبل، ولكن الحركة الشعبية لتحرير السودان أقدمت على فعل كارثي، حين اسقطت طائرة الخطوط الجوية السودانية المدنية فوق مدينة ملكال، وهو الفعل الذي قرر بعده مجلس الوزراء قطع الاتصالات مع الحركة الشعبية.
في عام ١٩٨٨ بدأت اتصالات الحزب الاتحادي بالحركة الشعبية، كان الحزب الاتحادي وقتها شريكا في الحكومة، رغم ان مجلس الوزراء قطع اتصالاته بالحركة بعد اسقاطها للطائرة المدنية، الا انه قرر بالاجماع استثناء مبادرة الحزب الاتحادي من الحظر، مجلس الوزراء وقتها كما يعلم الجميع كان برئاسة السيد الصادق المهدي.
بعد توقيع مبادرة الميرغني-قرنق، عاد السيد محمد عثمان الميرغني للخرطوم، اوفد السيد الصادق المهدي الدكتور علي حسن تاج الدين، عضو مجلس رأس الدولة، لاستقبال الميرغني في المطار وتأكيد تأييد المهدي وحزب الامة للمبادرة.
لاحقا في لقاء السيد الصادق المهدي مع السيد محمد عثمان الميرغني، أوضح المهدي انه يحتاج لبعض الوقت للحصول على تأييد الجمعية التأسيسية الاجماعي للمبادرة، وقد وافق الميرغني على ذلك، ولكن بعض العناصر في الحزب الاتحادي الديمقراطي استعجلت تقديم المبادرة للجمعية التأسيسية لاتخاذ قرار بشأنها. يجب ملاحظة أن الشارع السوداني وقتها كان يتداول ما مفاده أن المبادرة فيها طعنا في الاسلام.
وعد السيد محمد عثمان الميرغني بسحب المبادرة من امام الجمعية ريثما يتم التمهيد اللازم وذهب للجمعية لتحقيق ذلك، ولكن بعض العناصر اصرت على وضع المبادرة امام الجمعية احراجاً للحكومة، هذه الرواية يشهد بصحتها محمد عثمان الميرغني واحمد سعد عمر الوسيط بين السيدين المهدي والميرغني.
كان موقف رئيس الوزراء الصادق المهدي هو الحرص على توسيع دائرة تأييد مبادرة الميرغني-قرنق داخل الجمعية التأسيسية لحساسية الموضوع وقفل باب المزايدات بأن فيها طعنا للاسلام، عقد اجتماع في القصر الجمهوري في يوم ٤ يناير ١٩٨٩ برئاسة احمد الميرغني حضره الصادق المهدي ومحمد عثمان الميرغني وحسن الترابي، اثبت ذلك الاجتماع ان الاجماع حول الموضوع كان ممكناً.
في فبراير ١٩٨٩ التقى وزير الداخلية السيد مبارك المهدي في أديس ابابا بوفد من الحركة الشعبية بقيادة مساعد قرنق الدكتور لام اكول ودينق الور ومعهما آخرون وسلمهم خطاباً مكتوباً يؤيد موافقة السيد الصادق المهدي كرئيس للوزراء على مبادرة الميرغني ـ قرنق. انقلاب الإنقاذ في يونيو ١٩٨٩ قطع الطريق أمام استكمال كل هذه الجهود.
هذه معلومات تاريخية بعض شخوصها أحياء تفند الروايات غير السليمة التي تريد النيل من حزب الأمة القومي وتشويه مواقفه، نوردها احقاقا للحق وللتاريخ.
sondy25@gmail.com