داخل كل سياسي سوداني هناك مشروع دكتاتور قد يظهر اذا استلم السلطة، وداخل كل عسكري هناك مشروع انقلابي، وداخل كل مواطن هناك مشروع شخص متسلط على الاخرين اذا امتلك قوة السلطة، هذه عيوب موجودة في الشخصية السودانية نتجت عن سنين طويلة من الممارسة الشمولية وتطبع المجتمع بثقافة الشموليين.
كسودانيين أخذنا الثقافة الإفريقية وليس الاوربية، الاوربيون صنعوا التغيير في مجتمعاتهم منذ الثورات القديمة كالثورة الفرنسية، صنعوا قيم مجتمعية تتمحور حول قيمة الإنسان كإنسان، هذه الانسنة قادتهم نحو إرساء مباديء المساواة امام القانون بين المواطنين، طوروا مؤسسات تحمي هذه المساواة بقوة الدستور وتمنع التعدي عليها بالقانون وتحرس تكافوء الفرص، فتحررت مجتمعاتهم من الشمولية والتسلط والانقلابيين، وانطلقوا في طريق الديمقراطية والحرية والعدالة، فصاروا قادة العالم منذ قرن ونيف.
الافارقة لم يغيروا شيئا، ظلوا على طبيعة الإنسان البدائي المتسلط الشمولي الذي اذا وجد السلطة صادر كل حقوق الاخرين وكرس كل شيء لخدمته هو فقط، طبق الافارقة أنظمة سياسية تكرس للتمييز وعدم المساواة، قضوا على مبدأ تكافوء الفرص، وأغلقوا تماما أبواب صناعة التغيير، هكذا عاشت أفريقيا في الظلام ومازالت، وعشنا معها كسودانيين في خضم هذه التجربة المظلمة ومازلنا حتى اليوم نبحث عن ضوء حمدوك الذي في آخر النفق.
حاول الشعب السوداني وغيره من الشعوب الافريقية في فترات متقطعة ان ينهوا هذه الثقافة الكارثية عبر الثورات الشعبية ولكنهم فشلوا، ليس من السهل تغيير الموروث المجتمعي في ظل تمسك المجتمع به، المجتمع الإفريقي متضمنا المجتمع السوداني مازال متمسكا بهذه الثقافة لدرجة ان هناك سودانيين يتطلعون الآن لحدوث انقلاب في السودان ليعيدهم لمهانة التسلط والشمولية.
يلزمنا العمل الجاد والمرهق من أجل تجاوز محمول الثقافة الشمولية التاريخية التي دمرت تاريخنا السياسي وإنتجت الساسة والحكام المتسلطين، وللنجاح في هذا يجب أن نمضي في الدرب الذي مضت فيه اوربا، درب المساواة امام القانون بين جميع المواطنين حاكمين ومحكومين بلا تمييز ولا استثناءات.
لكي ننجح في بناء دولة حكم القانون التي نحلم بها يجب أن نصل الى مرحلة يقيد فيها قانون الدولة سلطة الافراد والمؤسسات لدرجة تجعلهم غير قادرين -مهما بلغوا من الثراء والمناصب- على استخدام نفوذهم بطريقة غير شرعية ضد مواطنين اخرين. يجب أن يكون قانون الدولة قويا جدا لدرجة يشعر فيها كل مواطن بانه ضعيف للغاية أمامه اذا اراد انتهاكه، وفي نفس الوقت يشعر ذات المواطن بانه قوي للغاية بفعل هذا القانون في مواجهة اي شخص اخر مهما كانت درجته ووظيفته اذا اراد انتهاك حقوقه.
اذا وصلنا لهذه المرحلة، سيكون كل سياسي سوداني مشروع قائد وطني، وكل عسكري حامي وحارس للقانون والدستور، وكل مواطن سوداني متقبل للاخر ومحترم لحقوق الغير مهما علا في المناصب والرتب.
يوسف السندي
sondy25@gmail.com