صُور ومناظر لا تغيب مِن خيالي: أيام المظاهرات ضد السَد العالي.. الوالدة رحمها الله كانت تمنعني من الخروج من المنزل، واللعب أمام البيت، على الرَغم من أنَّ مناطق المظاهرات كانت بعيدة جِداً من البيت.
حدثَ أن أُصيب ابن عمَّتي المرحوم محمود خليل حاج في رِجله وهو يشاهد المظاهرات عن قُرب، فذهبنا إلى زيارته مع الأهل في المستشفى، وجدنا أن أعداد المصابين من الشُرطة والمدنيين كانت كبيرة جداً وأسرة المستشفى لا تكفيهم.
تجد الشُرطي يرقُدُ في سرير واحد مع المدني. لم تَكُن هنالك أي حساسية بين أهل المدني والشُرطي. وعلى الرَغم من أنَّ المستشفى كانت تعطي للمرضى أكلاً جيد للمرضى، إلا أن أهل المصابين كانوا يأتون بالأكل بالأعمِدة من بيوتهم، فيجلس الشُرطي المصاب مع المدني المُصاب وذويهم يتناولون الطعام كأنَّهم أصحاب وأقرباء.
الصورة الثانية:
أُقيم معرض ضخم جداً في ميدان المعرض مُدَّة شهر تقريباً. معرَض خَشم القِربَة لترغيب الحلفاويين في الهجرة، وتبشيرهم بخيرات خَشم القِربة.
في المعرض منتجات زراعية قِيل إنَّها من خَشم القِربة. في الغالب ملعوبٌ في جِيناته، ومزروعة في بيئة خاصة، ومعالجة معالجات لا أعرفها. البصل في حجم البَطِّيخ، وحُبوب القمح في حجم الفُول المصري، وفواكة عجيبة في حجمها وشكلها ورائحتها.
وفي الأمسيات حفلات بفنَّانين من الخرطوم، ورقصات الكمبلا، والمردوم، ورقصات الشُلُك والنوير، ورقصات الشرق.
الصورة الثالثة:
صورة كورنيش النيل المسفلَت، والزهور على جانبي شارع النيل، والخُضرة والنخيل، وأشجار اللَّبخ الظليلة بجوار المستشفى.
في إحدى المَرَّات كنتُ أنا والمرحومة والدتي والمرحومة عائشة أُسطة في زيارة إلى المرحوم جابر الذي كان قد سقط من نخلة في البلد وكَسر ظهره، وكان طريح الفِراش في مستشفى وادي حلفا.
أمام باب المستشفى الرئيس.. كان مجموعة من الشباب، أحدهم جارٌ لنا من الحلفاويين، كانوا يسبحون في النهر، وقَفتُ على الكُورنيش أشاهدهم يسبحون ويتبارون في العوم لوسط النهر. كانت الوالدة رحمها الله في الجانب الآخر من الشارع، وأتت المرحومة عائشة أُسطة لتسحبني من يَدي وهي تقول: باب المستشفى اتفتح.
بعد نهاية الزيارة عندما خرجنا من باب المستشفى، شاهدتُ جارنا الشاب يركُض، وهو يحمل ملابسه في يده وهو يصرخ: لقد غَرق أحدهم ولم يستطيعوا إنقاذه!