لا أحد يستطيع أن يجد تفسيراً مقنعاً لحركة الأحداث، أو يملك حدساً قوياً للتنبوء بالمستقبل في وطننا السودان “بلد العجائب والغرائب”.
اقرؤوا معي ما يأتي من دون أن ترهقوا عقولكم بالبحث عن تفسير، فالنتيجة الحتمية العجز عن إيجاد ما يُقنع. وإليكم بعض الوقائع الغريبة:
تستعين الحكومة بالقبائل في صراعات دارفور، وتدعم موسي هلال، وتسمي قواته “حرس الحدود”. وموسي هلال يقدم حميدتي للحكومة، فتشرع في تأسيس قوة ضاربة تسميها الدعم السريع، تؤهلها وتسلحها بأحدث الأسلحة، ثم تضمها للقوات المسلحة، وتستقر دارفور، ثم ترسل جزءاً من الدعم السريع لتشارك في الحرب ضد الحوثيين في اليمن، ثم تقرر الحكومة جمع السلاح في دارفور، فتصطدم باعتراض موسى هلال قائد قوات الصحوة أو حرس الحدود، وتطفو الملاسنات، ونذر المواجهة بين قوات موسي هلال والدعم السريع، علماُ بأن قوام القوتين من أبناء الرزيقات، وأن نائب رئيس الجمهورية الذي يقود تنفيذ حملة جمع السلاح من ذات القبيلة الرزيقات، ونعني به السيد حسبو محمد عبدالرحمن… أليس في ذلك ما يحير فعلاً؟
ثم أن الحكومة تحارب في الحوثي في اليمن، كأنها تصنع الآن حوثياً جديداً في دارفور يستعصم ببلدته مستريحة مثلما استعصم الحوثي ببلدته صعدة، ألا تلاحظون غرابة المواقف وتضادها؟ سعت الحكومة سنوات طويلة إلى معالجة مشكلة دارفور، وبذلت الكثير بمعاونة الأمم المتحدة والدول الشقيقة والصديقة، وتبنت سياساتها التي قادت بعض قادة التمرد إلى مشاركتها الحوار، وبعد أن تحقق سلام دارفور تعود الحكومة نفسها لوضع دارفور من جديد أمام نذر المواجهة.
من الوقائع الغريبة ايضا أن تسند الحكومة أمر وزارة السياحة إلى وزير ينتمي لتيار سياسي تقوم مرجعيته على النظر إلى الآثار والتماثيل والكنوز الأثرية على أنها مجرد أصنام تعود إلى عهود الجاهلية الأول، ثم أن عيون الوزير لا ترى وفود السياح إلا مجموعات من العراة يشكلون خطراً على المجتمعات المسلمة.
هذه الحقيقة تبدو جلية إذا عرفنا أن الوزير ينتمي إلى جماعة أنصار السنة التي تشكك حتي في توحيد المتصوفة وإيمانهم.. فكيف تكون نظرة وزيرهم في الحكومة للتماثيل وأفواج السياح العراة؟
أما آخر عجائب السودان إحداها اقتصادية إذ حملت الأخبار أن شحنة مقدارها 45 ألف طن من الصمغ العربي جرى تهريبها.. أيعقل أن نسمي ذلك تهريباً؟ 45 ألف طن من الصمغ العربي، كيف جمعت؟ وكيف جرى شحنها؟ وكيف خرجت؟
أما أكبر العجائب أن يسافر وزير دفاع السودان إلى مصر، ويبحث مع المصريين سبل تأمين المنطقة، وضمان سلامتها؟ مصر تحتل حلايب، وتكاد تكمل عمليات تمصيرها بالكامل.. تهدم البيوت، وتعتقل اهل المنطقة المعترضين على التصرف المصري.
لا أحد يستطيع ان يفك طلاسم غرائب السودان وعجائبه.